لم تقتصر الدعاية الإسرائيلية المضادة، في أعقاب عملية القدس الأخيرة، على محاولة التثمير السياسي في سياق حركة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أو حتى على المستوى الداخلي. فهذه الدعاية حاولت تقديم تل أبيب في موقع الضحية، وعملت على ترويج هذا المفهوم مع نشر مكتب رئيس حكومة العدو صوراً من مكان العملية لوكالات الأنباء الدولية.
المكتب برّر هذه الخطوة بالقول إنها «تخدم التوجه الإسرائيلي والمصلحة الدعائية»، لكن الموقف الدولي الداعي إلى ضرورة التوصل إلى تسوية شاملة في أقرب وقت يظل يشكل عقبة أمام محاولة إسرائيل الترويج لموقفها السياسي ضد التسوية، وذلك لجعل الدول العظمى أكثر تناغماً مع الموقف اليميني، رغم أن الثوابت الإسرائيلية محتضنة بالكامل في تلك الدول.
على المستوى السياسي الداخلي، حاول رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو استغلال عملية القدس لتثبيت حكومته ومدّها بأسباب البقاء أطول مدة ممكنة. ودعا عبر رئيس الائتلاف الحكومي، زئيف الكين، رؤساء أحزاب المعارضة، باستثناء الأحزاب العربية، إلى الانضمام إلى «حكومة وحدة لحالة طوارئ». وتنقل صحيفة «هآرتس» أن نتنياهو يهدف من هذه الخطوة إلى الالتفاف على معسكر اليمين الذي يعمل على استغلال حالة الاضطراب الأمني في مدينة القدس المحتلة للتصويب عليه ومهاجمة سياساته، لذلك خشي من أن تتحول العمليات الفلسطينية إلى مادة إضافية للتجاذب السياسي الداخلي، ثم الدفع نحو تقديم موعد الانتخابات، كما حدث مع إيهود باراك، عندما اضطر إلى الاستقالة مع انطلاق انتفاضة الأقصى نهاية عام 2000، وإجراء انتخابات على رئاسة الحكومة أدت إلى فوز أرييل شارون آنذاك.
رؤساء الكتل في الكنيست
لم يبدوا موافقتهم على
دعوة نتنياهو

رداً على الدعوة، ذكرت «هآرتس» عن عدد من رؤساء الكتل في الكنيست أنهم أوضحوا لألكين أنهم لا ينوون الانضمام إلى الائتلاف الحكومي، في حين طلب آخرون مهلة حتى يوم غد للرد على الاقتراح. وتأتي هذه الدعوة بعدما كان نتنياهو قد دعا أعضاء المعارضة إلى الانضمام إلى الحكومة برئاسته، وذلك في مؤتمر صحافي دعا فيه أعضاء الائتلاف إلى وضع الأزمة الائتلافية التي نشبت مؤخراً جانباً، والعودة إلى التعاون على طاولة الحكومة.
مع ذلك، رأى رئيس المعارضة وحزب «العمل»، يتسحاق هرتسوغ، أن حزبه لن يكون في حكومة لا توفر سياستها الأمن والأمل للإسرائيليين، مضيفاً أن «العمل» هو بديل سلطوي يجب أن يقود الدولة. أما رئيسة حزب «ميرتس»، زهافا غلاؤون، فقالت إن الوحدة حول إدانة «الإرهاب» والحرب على «الإرهاب» هي أمر مفهوم ضمناً، ولكنها ليست سبباً لمد يد العون لحكومة تصبّ الزيت على النار وتسدّ كل طريق لوضع حد للعداء والعنف. وأضافت غلاؤون أنه في حال توجه نتنياهو إلى «عملية سياسية تلزم تسوية حقيقية، فإن ميرتس سيوفر له الدعم».
من جهة أخرى، تواصل إسرائيل سياساتها العقابية بحق الشعب الفلسطيني. وامتداداً لاعتداءات سابقة، أعلن وزير الجيش، موشيه يعلون، أن قيادة المنطقة الوسطى جمدت قراراً بإعادة فتح طرق شمالي الضفة أمام الآليات الفلسطينية، من دون أن يشير إلى هذه الطرق بالذات. مع ذلك، يؤشر هذا الموقف على ضيق الخيارات الإسرائيلية مقابل هذا النوع من العمليات الشعبية. ويوم أمس، فجرت قوات الاحتلال منزل الشهيد عبد الرحمن الشلودي الذي كان قد نفذ عملية دهس قبل أسابيع قرب محطة قطارات في القدس المحتلة.
ومع إصدار وزير الأمن الداخلي، يتسحاق اهارونوفيتش، تعليماته بفحص إمكانية تسهيل حصول الإسرائيليين على سلاح شخصي، ولا سيما في القدس، فإن هذا قد يؤدي في ظل «تسونامي التحريض والتأجيج ضد الفلسطينيين» إلى نتائج كارثية على ناحية استمرار الاعتداءات تحت مبرر الدفاع عن النفس. وأيضاً ذكر اهارونوفيتش أن إعادة الهدوء إلى القدس سوف تستغرق شهوراً، مقرّاً في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن إسرائيل الآن «في معركة لا يمكن حسمها مرة واحدة».
ويؤشر إقرار هذا الوزير بأنه لم يكن لديهم معلومات عن هذه العمليات الفردية إلى بعدين، أحدهما سلبي والآخر إيجابي، ويعكس الأول نجاح إسرائيل والتنسيق الأمني مع السلطة في فرض عقبات حقيقة أمام فصائل المقاومة، أما الإيجابي فهو أن خيار المقاومة متجذر في صفوف الشعب الفلسطيني الذي لا ينتظر فصائله وقياداته لممارسة حقه في المقاومة. لكن اهارونوفيتش حرص على تأكيد أنه «لا يدور الحديث عن انتفاضة ثالثة، بل عن هبة شعبية يومية».
أما رئيس حزب «كاديما»، شاؤول موفاز، فرأى أن نتنياهو يبدي عجزاً في مواجهة العمليات الأخيرة، داعياً إلى المبادرة ضد منفذي العمليات. كذلك اقترح إدخال الجيش الإسرائيلي إلى شرقي القدس «إذا كانت قوات الشرطة لا تستطيع تنفيذ ذلك».
إلى ذلك، نقلت صحيفة «معاريف» عن مسؤول أمني قوله، إن «الوضع في القدس معقد، وجهود الشرطة غير كافية لحل المشكلات التي نواجهها، لذلك يجب اتخاذ قرارات شجاعة كإدخال قوات الجيش». لكن المسؤول نفسه وصف قرار إدخال الجيش إلى القدس بأنه «قرار استراتيجي من القيادة السياسية».