القاهرة | يمتد تاريخ الإخلاء القسري في مصر على مدى عشرات السنين، وهو بدأ مع إجلاء عدد كبير من سكان مدن القناة (السويس، الإسماعيلية وبور سعيد) خلال العدوان الثلاثي عام 1956، ثم تجدّد خلال الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي ما بين 1967 و1973. اليوم، صار أهالي مدينة رفح المصرية على الحدود مع قطاع غزة إحدى ضحايا التهجير القسري، وخصوصاً بعدما قررت القوات المسلّحة توسيع المنطقة العازلة لتصل إلى ألف متر بدلاً من 500، وهو ما يضاعف عدد المنازل التي ستهدم بداعي وجود أنفاق يصل طولها إلى 800 متر داخل سيناء، فيما تقول آخر الأنباء إنه لم يبق إلا أقل من 100 منزل حتى تتم المرحلة الأولى.
ومع أن الدستور المصري حظر التهجير القسري للمواطنين، فإن قانون الطوارئ المفروض في سيناء، وفقاً لقرار رئيس الحكومة، يتيح وفق المادة الثالثة منه إخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات فيها، وذلك بناء على الصلاحيات التي فوّضها رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة من أجل اتخاذ القرار الذي ينتظر أن يصدر رسمياً في مجلس الوزراء لتنفيذه في غضون أيام.
في رفح المصرية، كان يسهل مشاهدة منازل متلاصقة على الحدود مع رفح الفلسطينية، بل إن أحد فروع المصارف الحكومية الذي لا يبعد سوى 50 متراً عن السور الحدودي الفاصل هدم هو الآخر. ومعلوم أن بعض أبناء هذه المدينة لديهم أقرباء في غزة كانوا يزورونهم بين حين وآخر.
وما بين عام 2008 حتى بداية 2011، عاش أهالي رفح حياة مستقرة نسبياً، فانتعشت الحركة في المدينة الحدودية إلى مستوى غير مسبوق في ظل توسّع الأنفاق، كما استفاد أصحاب المنازل الملاصقة للشريط الحدودي من تجارة الأنفاق التي شارك فيها ضباط الشرطة والقوات المسلّحة، وأيضاً تحوّلت المنازل وفناءاتها إلى ساحات تخزين كبيرة للبضائع قبل عبورها الأنفاق.
أما بعد «ثورة 25 يناير»، فعاشت المدينة حياة مضطربة نسبياً حتى «أحداث 30 يونيو»، ورغم القبضة الأمنية التي فرضها الجيش، على مدد متباعدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فإن حركة التجارة كانت سريعة ومربحة للغاية، وخلقت طبقة من أبناء المدينة الأثرياء، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى إنشاء فتحات الأنفاق في الطرقات والأراضي الملاصقة للشريط الحدودي.
بعد ذلك، أتت القبضة العسكرية، منذ عزل الرئيس «الإخواني» محمد مرسي، لتغلق أنفاق الشوارع، ومعها التجارة مع غزة بدرجة كبيرة.
في الوقت الحالي، يواجه الأهالي ما يسمونه مصيبة التهجير الإجباري، فهم غادروا منازلهم حاملين أمتعتهم من دون معرفة الوجهة المناسبة لهم، في ظل ارتفاع الإيجارات وقلة المباني التي تتسع للأسر المهجّرة، إضافة إلى أن عدداً كبيراً من المهجرين سيواجهون مشكلة في صرف التعويضات، بسبب أنهم لم يكونوا يمتلكون قانونياً الأراضي المقامة عليها منازلهم، نظراً إلى أن القانون المصري كان يمنع تملّك الأراضي في سيناء بموجب اتفاقية التسوية مع الاحتلال.
في السياق، قالت الناشطة السيناوية، منى برهوم، إن «مساحة 300 متر لإنشاء منطقة العزل على الحدود مع القطاع كانت كافية للغاية لإقامة منطقة تأمين تسمح بمراقبة الحدود»، لذلك فإن «وصول المنطقة إلى ألف متر أمر مبالغ فيه، ويسبب ضرراً كبيراً للأهالي المقيمين في مدينة رفح المصرية».
وأضافت برهوم، التي تقطن على بعد 800 متر من الشريط الحدودي، لـ«الأخبار»، إن «الرئيس الأسبق (حسني) مبارك ترك حرية إنشاء الأنفاق والحركة فيها، والآن يدفع الأهالي ثمن قرار جديد لم يتسبب سوى بتهجيرهم عن منازلهم التي عاشوا فيها منذ زمن بعيد».
من جهة أخرى، رأى مساعد رئيس جهاز تنمية الأسبق، أحمد صقر، أن «فكرة التهجير بمفردها ليست حلاً للأزمة»، لافتاً إلى «ضرورة أن تكون هناك حزمة إجراءات من أجل تصحيح الأوضاع، ومن بينها تغيير النظرة العسكرية في التعامل مع سيناء وإتاحة فرصة تملّك الأراضي للمصريين، إضافة إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية وعدم التذرّع بالأمن القومي لوقف عمليات التنمية».