بغداد | على مدار عشر سنوات، لم تصل الجهود التي بذلتها الحكومات العراقية إلى نتائج ملموسة في ما يخص مشروع المصالحة الوطنية، بل تأزمت الأوضاع أكثر، رغم المؤتمرات التي تُعقد برعاية رسمية، بالإضافة إلى استحداث وزارة بهذا الشأن، وصرف ملايين الدولارات، واحتواء عدد من الفصائل المسلحة، إلا أن مشروع المصالحة لم يأت بنتائج إيجابية على أرض الواقع.
اليوم عاد الحديث عن ضرورة إتمام المصالحة الوطنية في العراق تزامناً مع التغيير السياسي الذي حصل في البلاد وخطر تنظيم «داعش».
ومنذ تسلم رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، مهماته الرسمية لم ينس في خطاباته التشديد على أهمية اتمام المصالحة الوطنية «بأسلوب جذري وفعال وبما يساعد على تأمين السلام والأمن في البلاد» والاستفادة من خبرات وزراء ومسؤولين سابقين في إجراءات المصالحة الوطنية. كما أكد رئيس الحكومة حيدر العبادي اكثر من مرة أن المصالحة الوطنية من أولوية عمل الحكومة وأنه يعد قانوناً ليتم إحالته على البرلمان في هذا الشأن، كذلك التحضير لمؤتمر يضم كل الأطراف العراقية لإتمام المصالحة.
وعلى الرغم من الدعوات، إلا أن هناك ما يؤخر إجراءات تنفيذ المصالحة قريباً.
مصادر مطلعة كشفت لـ«الأخبار» عدم رضى رئيس الحكومة، حيدر العبادي، على تولي نائب رئيس الجمهورية، إياد علاوي، ملف «المصالحة الوطنية» في البلاد، وذلك لأسباب لم يكشف عنها المصدر، لكنها قد تتعلّق بالارتباطات الخارجية لعلاوي، وعلاقته القوية بالسعودية وتركيا، المُتهمتين من قبل العراق بدعم الإرهاب.
وأضافت المصادر، المقرّبة من ملف «المصالحة الوطنية»، إن ثمّة «مقترحاً مبدئياً لأن يكون نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي «زعيم كتلة سياسية سُنية»، معنياً بملف «المصالحة الدولية» مع جهات خارجية لم تُحدّد حتى الآن، ويبقى ملف «المصالحة الداخلية» تابعاً لمكتب رئيس الحكومة». وتابعت إن «مستشارية المصالحة الوطنية مرتبطة حتى الآن بمكتب رئيس الحكومة، الذي استدعى، من جديد، محمد سلمان السعدي، الذي كان في وقت سابق رئيساً للجنة «المصالحة الوطنية»، ومستشاراً لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي في هذا الملف، ليكون ضمن رؤوس الهرم في هذا المشروع».
قبل عام 2010، تسلم ملف «المصالحة الوطنية» في العراق أربعة أشخاص، عملوا على المصالحة المجتمعية والفكرية والمنهجية، لكن الولاية الثانية لرئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، ركزت على الجانب الأمني في المشروع، عندما تم تعيين عامر الخزاعي مستشاراً لرئيس مجلس الوزراء، لهذا الملف.
وبينما كان الموقع الإلكتروني للمصالحة الوطنية في العراق يذكر انضمام عدد من الفصائل المسلحة «السُنية والشيعية» إلى المشروع، قالت مصادر مقرّبة من المشروع، وعلى اطلاع على تفاصيله، لـ«الأخبار» إنه «لا يوجد أيّ فصيل مسلّح انضمّ بأكمله إلى مشروع «المصالحة الوطنية»، وإنّما أيده أفراد لا يمثلون إلّا أنفسهم، رغم مساعي الحكومة العراقية حينها لضمّ أكبر عدد ممكن من المعارضين والرافضين لعراق ما بعد 2003».
ويعتقد علاوي أن «المصالحة تعدّ الفرصة الأخيرة للبلاد» التي تشهد توتراً أمنياً منذ نيسان 2003، وحرباً أهلية في عام 2006، لكنّه يؤكد في الوقت ذاته أن «المصالحة يجب ألا تشمل الإرهابيين وسرّاق المال العام».
وتحدث علاوي، في تصريح صحافي، عن وجود خطوات، وصفها بالعملية، لتحقيق المصالحة الوطنية. ويرى أن «القضاء على الطائفية السياسية، وقضية البعثيين السابقين، والقوات المسلحة، والقوة التي قامت بمقاومة المحتل، والمجموعات التي تضررت في عهد النظام السابق، هي الشرائح التي يجب أن تشملها عملية المصلحة الوطنية».
المصادر القريبة من مشروع «المصالحة الوطنية»، تحدّثت عن وجود أسماء لفصائل مسلحة وصفتها بـ«الوهمية»، كانت، بحسب قولها، «تقوم بالحصول على الأموال والمكاسب مقابل رفع شعارات وأسماء لتشكيلات مسلحة غير موجودة في الواقع». وتضيف إنه «في مدينة الموصل، شمال العراق، كان فصيل مسلح، باسم غير معروف وغير موجود، يحصل على مواد غذائية ومستحقات مالية، وعندما يتم سؤاله عن مقره ومكان وجوده يقول: إنه في منطقة الجزيرة (المناطق الحدودية لمدينة الموصل)، لمعرفتهم بعدم إمكانيّة أيّ ضابط، أو شخص معنيّ من الوصول إلى تلك المنطقة». وتشير إلى أن «هناك معارضة «شيعية» وقفت بوجه هذا المشروع، وتدخلت الخلافات السياسية فيه، الأمر الذي ساعد على عدم استتباب الوضع الأمني في العراق، حيث كانت هناك نيّة لتقريب وجهات النظر مع أفراد وجماعات «سُنية»، ومن ثم ضمها إلى المشروع، لكنها فشلت بسبب شروط كتل سياسية لم تسمّها».
وضم مشروع «المصالحة الوطنية» في العراق تشكيل مجالس الإسناد في المناطق «السُنية»، ودمج الميليشيات «الشيعية» في أجهزة أمن الدولة، ومنح ضباط في الجيش العراقي السابق رواتب تقاعدية، والعفو عن أعداد كبيرة من الذين كانوا في أجهزة أمنية مقربة من صدام حسين قبل نيسان 2003.
اللواء مظهر المولى، الذي تسلم ملف «الصحوات» في المناطق «السُنية» من القوات الأميركية، يقول لـ«الأخبار» إن «ملف الصحوات جزء من مشروع المصالحة الوطنية، الذي عملت عليه الحكومة العراقية، من خلال زج المغرّر بهم من الجماعات المسلحة، والذين لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين، ومنحهم رواتب شهرية، وللمتوفين رواتب تقاعدية، حتى أصبحت «الصحوات» نظامية، كحال أيّ مؤسسة رسمية».

مشروع «المصالحة الوطنية» يحتاج إلى انفتاح حكومي على جميع المكونات العراقية


ويعتقد أن مشروع «المصالحة الوطنية»، يحتاج إلى انفتاح حكومي على جميع المكونات العراقية، والعفو عن الذين أجبروا على الانضمام إلى أجهزة أمنية مقرّبة من نظام صدام حسين، وخاصة «فدائيي صدام»، الذين كان أغلبهم غير راغبين في الانضمام إليه، لذلك فإن أعداداً كبيرة من موظفي المؤسسات، في عهد صدام حسين، لم يتسلموا أي رواتب تقاعدية، وهذه مخالفة دستورية».
المسؤول عن مشروع «المصالحة الوطنية»، عامر الخزاعي، يرى خلال حديثه لـ«الأخبار» أن «العراق كاد أن يذهب ضحية الحرب الأهلية في السنوات الماضية، لكن المصالحة الوطنية لعبت دوراً مهماً في ضمّ الفصائل المسلحة إلى مشروعها، وتجريدهم من الأسلحة التي كانت موجهة صوب الشعب العراقي». ويختلف الخزاعي في إحصائيته، حول الفصائل المسلحة، مع المصدر الذي تحدث لـ«الأخبار»، قائلاً: إن «هناك أعداداً كبيرة انضمت للمشروع من المذهب «السُني»، وهي الجيش الإسلامي، وحماس العراق، وكتائب ثورة العشرين، وجيش الطريقة النقشبندية، وأنصار السنة، والهيئة الشرعية، والحركة السلفية. أما الفصائل «الشيعية» المسلحة التي اندمجت في المشروع فهي، جيش المهدي، عصائب أهل الحق، الحركة الوطنية الشعبية، ومجاميع أخرى».
ويؤكد الخزاعي، عضو لجنة المصالحة الوطنية النيابية في البرلمان الحالي، أن «مشروع المصالحة الوطنية في العراق، يحتاج إلى إبعاده عن القضايا السياسية، وإيجاد خطاب موحد، يمكن المشروع من الاستمرار في نجاحه، وضم الأفراد والجماعات غير المطمئنة للوضع في العراق ما بعد عام 2003».
وكان الخزاعي، ومسؤولون في الحكومة العراقية السابقة، يقومون بجولات داخل وخارج العراق، وخاصة في الأردن والسعودية والإمارات وسوريا، من أجل إقناع المعارضين لنظام ما بعد صدام حسين (المسلحين والسياسيين)، بالانضمام إلى المشروع. لكن نجاحهم في تلك الجولات لم يكتمل، بسبب رفض بعض الأسماء الانضمام، وبقائها في خانة المعارضة المسلحة والسياسية.