ضجّت أوساط المعنيين الغربيين بالشأن السوري أخيراً بتقرير سُرّب إلى الإعلام الأميركي يكشف بعض الخطط لتوقيع هدن متتالية في المناطق السورية بين المسلحين المعارضين والدولة السورية بهدف وقف الحرب، تمهيداً للانتقال إلى مرحلة جديدة. هدن وُقّعت في دمشق وضواحيها وأخرى «يعمل على التوصل اليها في حلب»، كما ذكرت معلومات من تقرير مسرّب الأسبوع الماضي في صحيفة «ذي واشنطن بوست». وبعد «بوست» نشرت مجلة «فورين بوليسي» منذ أيام معلومات إضافية عن التقرير نفسه وعن صنّاعه وبعض تفاصيل الخطط المذكورة فيه. الصحافي في «فورين بوليسي» جيمس تروب اطّلع على التقرير الرسمي الكامل الذي سرّبت منه المعلومات وتمكّن من نشر بعض الاقتباسات.
حسب تروب، واضعو التقرير هم مؤسسة أوروبية تدعى Center for Humanitarian Dialogue «مركز من أجل الحوار الإنساني»، مقرّها جنيف (سويسرا)، وهي ترعى منذ عام ٢٠١٣ توقيع هدن في مختلف المناطق السورية. المؤسسة يرأسها ديفيد هارلاند، مسؤول سابق في منظمة «الأمم المتحدة»، وهي تعمل ميدانياً، «جنباً الى جنب مع الأمم المتحدة»، لعقد اتفاقات محليّة بين النظام والمعارضين، و«تسعى حالياً لإبرام هدنة بين المتمردين والأكراد».
محاولة إنهاء الصراع وفق خطة اتفاقات الهدنة متواضعة في ظلّ غياب العدالة

لتلك المؤسسة التي تموّلها حكومات أوروبية عديدة تجارب في رعاية الاتفاقات وتقريب الأطراف، كان آخرها «بين العلمانيين والإسلاميين في تونس»، كذلك تنشط أيضاً في أفغانستان، كما شرح تروب. أما في سوريا، فتسعى لـ«التوصل إلى اتفاق برعاية الأمم المتحدة أو أطراف أخرى لخلق وحدة انتقالية تدعى «سلطة السلام وإعادة الإعمار». هذه السلطة، ستقوم بـ«تنفيذ اتفاقيات الهدنة في مختلف المدن والبلدات السورية، وستشكّل المرجع المحايد الذي سيتواصل معه مسؤولو المناطق بدل إرسال تقاريرهم الى سلطات النظام».
مقدمة التقرير بعنوان «خطوات لحلّ الصراع في سوريا»، تشرح أن لا النظام السوري ولا المعارضون يستطيعون كسب المعركة، وهذا ما سمح لتنظيمات «الدولة الاسلامية» (داعش) و«جبهة النصرة» بالنمو. لذا، يتابع واضعو التقرير، ولكي «لا تتحوّل سوريا الى صومال ثانية، هناك حاجة ماسّة إلى الحفاظ على الدولة فيها، حتى لو عنى ذلك الإبقاء على الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة». «أن يكون هناك نظام ودولة أفضل من ألا يكون هناك دولة على الإطلاق» يقول هارلاند، رئيس المؤسسة.
كيف سيتمّ ذلك؟ يشرح التقرير أنّ المناطق التي ستوقّع اتفاقيات هدنة ستحكمها الجهة المسيطرة (إما النظام أو المعارضة)، بعدها ستحتضن بلديات تلك المناطق إدارات محليّة وسياسية، على أن يتكفّل الغرب بدفع تكاليف إعادة الإعمار. لكن، ماذا عن رئاسة البلاد؟ «مصير الأسد سيحدده السوريون من خلال إصلاحات دستورية وانتخابات بمراقبة دولية تجري لاحقاً بعد التوصل الى إنهاء الحرب... وحتى ذلك الحين يبقى الأسد رئيساً»، يجيب التقرير. وماذا عن «داعش» و«النصرة»؟ يرى التقرير أنّ التوصّل الى توقيع اتفاقيات بين النظام والمتمردين المعارضين سيسمح بتركيز الجهود والمواجهات ضد المتطرفين، ما سيسرّع في القضاء عليهم.
لكن هل خطط التقرير قابلة للتنفيذ أم أنها ضرب من الخيال؟
ردود فعل المطلعين على التقرير جاءت متفاوتة. مصدر في البيت الأبيض استبعد أن يوقّع المعارضون على اتفاق يبقي على الأسد رئيساً، وأضاف أن الأسد لا يشعر بأنه مهدّد إلى درجة أن يقبل بمنح المعارضين مناطق حكم ذاتي. منتقدون آخرون هاجموا أحد المشاركين الأساسيين في وضع الخطط، وهو الصحافي نير روزن، أحد أعضاء المؤسسة، واتهموه بأنّه حليف للنظام السوري وبأنّ التقرير يمنح الأسد وقتاً إضافياً لإحكام سيطرته على البلاد. من جهته، ردّ روزن على منتقديه بالتذكير بمختلف الهدن التي وقّعت بين النظام والمعارضين في دمشق حتى الآن، وأن على السوريين تقرير مصيرهم بأنفسهم، لأن «المتمردين ليسوا أفضل من النظام أو أن النظام ليس أسوأ منهم»، وأن الأهم هو التوصل الى وقف الدماء والدمار والفوضى.
«هو اختبار، وسنرى في الأيام والأسابيع المقبلة إذا كان سينجح أو لا»، قال آخرون، مشيرين الى الجهود التي بدأ ببذلها الممثل الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا وجولة اتفاقات الهدنة التي يريد إتمامها في مختلف المناطق السورية.
من جهته، أبدى سفير واشنطن السابق في دمشق روبرت فورد تشاؤمه بمدى نجاح خطة مماثلة، «نظراً إلى عدم اكتراث الإدارة الأميركية بمصير المعارضة المسلّحة وتلقّي الأخيرة ضربات موجعة على الأرض».
الكاتب وصف محاولة المؤسسة الأوروبية بإنهاء الصراع، وفق خطة اتفاقات الهدنة، بأنها متواضعة، خصوصاً في ظلّ غياب العدالة في سوريا حالياً. وفي هذا الاطار، علّق روزن على التقرير الذي شارك في وضعه، خاتماً: «أريد فقط أن أوقف النزف في البلد ومحاولة إصلاح الأمور بطريقة ما».
(الأخبار)