الرياض | في حادثة غير مسبوقة، شهد الثالث من الشهر الجاري تطوراً أذهل المجتمع السعودي، وتمثل في هجوم مسلح على إحدى الحسينيات خلال إحياء ذكرى عاشوراء في قرية الدالوة في محافظة الأحساء (شرق). وقد أسفر الهجوم، في ذلك اليوم، عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة تسعة آخرين، واستخدمت فيه أسلحة رشاشة ومسدسات شخصية.
وقد أعلنت القوى الأمنية إلقاءها القبض على أكثر من ثلاثين شخصاً يشتبه في تورطهم في الحادثة، كما جرت مواجهات بين رجال الأمن ومطلوبين في القصيم أودت بحياة ثلاثة منهم واثنين من الأمن، فيما أكد المتحدث الأمني في وزارة الداخلية أن المتورطين المفترضين في هذه القضية «لم يذهبوا إلى الأحداث التي تتمنى التنظيمات الإرهابية الوصول إليها (في إشارة إلى مناطق النزاع في الإقليم)، بل قصدوا دماء مواطنين أبرياء وارتكبوا جريمتهم من أجل الفتنة بين أطراف المجتمع».
أولاً، يمكن رصد أن هذه الحادثة تسببت بإثارة الارتباك داخل المجتمع السعودي بجميع شرائحه لأنها الأولى من نوعها في المملكة، وقد أثارت ردود فعل كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي افتتاحيات الصحف، ثم جملة البيانات التي صدرت عن علماء سنة وشيعة على السواء. كما أصدر أبرز علماء الشيعة في القطيف بياناً وصفوا فيه حادث الأحساء بالجريمة الوحشية التي تضمر الشر «لهذا المجتمع المتعايش منذ فجر الإسلام الأول».
حتى أولئك الذين كانوا يهيّجون الناس بخطابات طائفية صاروا فجأة يتحدثون عن أهمية التعايش، مع ملاحظة اختلاف المقاربات للحادثة بينهم، فبعضهم استدعى نموذج التعاطي مع أهل الذمة عند الحديث عن الشيعة، وآخرون لم يستنكروا الطائفية بقدر ما استنكروا زعزعة الأمن، ما يعني أن أحدهم يرفض المساس بالاستقرار، أو يحاول القول للدولة التي دخلت بقوة ضد العملية إنه لا يؤيد أي عملية تخل بالأمن والنظام مهما كانت.
بل لم تكفِ حفلة «التجمل» برفض الطائفية لينسى الناس كل الاحتقان الطائفي والخطابات التحريضية التي سبقت الهجوم، فأحد المشايخ المحسوبين على تيار السلفية (الحركية السرورية)، قال إن من يقف خلف هذا العمل «يجني على البلاد ويهدج أمنها»! ومن المفارقات أن هذا الداعية هو نفسه صاحب الكتاب الشهير الذي ذاع صيته قبل عقد من الزمن، وكان بعنوان «واقع الرافضة في بلاد التوحيد» وتحدث عن أن «الرافضة» أصبحوا تهديداً وخطراً على البلاد، منبهاً إلى خطورة ما سماه «تنفذهم في مواقع ومناصب مهمة في الدولة».
أيضاً، لم تخلُ الاستنكارات من تلميحات إلى قضايا أخرى، فأحد الكتّاب علق على ما حدث في الأحساء مستذكراً ما جرى سابقاً في العوامية (التظاهرات المطالبة بالحقوق)، واعتبرهما رأسين لفتنة واحدة، بل رجا من الدولة القضاء عليها!
من الملاحظ أن الأطراف كلها كأنما اتفقت على تحييد الساحة الداخلية عن الصراع الإقليمي في المنطقة، لكن بخطابات وطنية لا أسس متينة لها بقدر «المظاهر» والتعبير عن حالة من التوازنات والمعادلات القائمة ليس إلا. فيمكن القول إن المشهد السياسي في السعودية يعرض صورة تنتمي إلى الكوميديا السوداء، التي تجعل من محرضي الأمس دعاة إلى السلام وتقبل الآخر. لكن يبقى السؤال: هل هذا التغيير وخطابات «التعايش الوقتية» التي حتّمتها ظروف وحسابات معينة ستثبت أمام ما تشهده المنطقة من تغيرات واستقطابات طائفية، أم أنه نوع جديد من معالجة الطائفية بالطائفيين؟