بدأت دائرة التقاطعات المرتبطة بالحديث عن رؤية لحل سياسي في سوريا تُعدّ له موسكو، تتسع، في الوقت الذي خرجت فيه، فعلياً، الديبلوماسية الروسية عن الصمت، فيما كان المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، يغادر دمشق متجهاً إلى القاهرة، بحسب ما قال مقربون منه.
وأمس، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن موسكو تقف مع عودة استئناف المفاوضات السورية بشأن إيجاد مخرج للأزمة. وأوضح، في مؤتمر صحافي عقده في موسكو، أن وزير الخارجية سيرغي لافروف بحث في السابع من الشهر الحالي موضوع استئناف الحوار السوري مع الرئيس الأسبق لـ«الائتلاف السوري» المعارض معاذ الخطيب، مشيراً إلى أنه «جرى التركيز في المباحثات على ضرورة تحويل الأزمة السورية إلى المسار السياسي، وفي هذا الموضوع قدم الخطيب نقطتين أساسيتين... ليس لدينا اعتراض عليهما، وهما محاربة الإرهاب والدولة الإسلامية، والثانية مفاوضات سياسية تفضي إلى حوار واتفاق بين الحكومة السورية الشرعية والمعارضة».
وأكد بوغدانوف أنه تم التوافق على ضرورة إشراك الأطراف الخارجية كروسيا والولايات المتحدة، والإقليمية كإيران والسعودية وتركيا ومصر، مضيفاً أن «كل هذا يدفع باتجاه العمل على الإعدادر لجنيف 3».
وقال الديبلوماسي الروسي إن بلاده «وقفت وتقف دائماً الى جانب حل المشاكل عبر الطرق السلمية والحوار الوطني من دون تدخل خارجي، ولكن للأسف بعض شركائنا الاقليميين والغربيين يؤيدون وجهة نظر أخرى، حيث تمت في سوريا المراهنة على إسقاط نظام (الرئيس) بشار الأسد ومساندة المعارضة المسلحة، بما فيها المتطرفة».
وأعاد بوغدانوف التأكيد على أن «توجيه الولايات المتحدة وحلفائها ضربات لمواقع الاسلاميين، خاصة في سوريا، يتم من دون ترخيص من مجلس الأمن ومن دون موافقة من قبل الحكومة الشرعية في دمشق، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج خطيرة بالنسبة الى السكان المسيحيين»، موضحاً أن «محاربة الارهاب يجب ألا تخدم بأي شكل من الأشكال المصالح الجيوسياسية، وإلا فإن النتيجة يمكن أن تكون بائسة للغاية». وأشار إلى أنه مع تأزم النزاع في سوريا «تظهر أسباب حقيقية للخوف على مصير الوجود المسيحي المستمر من 2000 عام على تلك الارض المقدسة، ووجود هذا التقليد العريق مهدد بالزوال بشكل كامل تقريباً»، محذراً من تكرار السيناريو العراقي عام 2003.
الكلام الروسي تزامن مع حديث نقلته قناة «الميادين» عن «مصادر سورية مطلعة»، يفيد بأن روسيا وإن «طرحت أفكاراً للتفاوض بين الأطراف في سوريا، لكن هذه الأطراف لم توافق على الطرح الروسي لأنه لم يصل إلى مستوى التفصيل». وأشارت إلى أنّ المبادرة تنقسم إلى مرحلتين: الأولى تكون في موسكو يتم فيها تفاهم أولي، ومرحلة ثانية في جنيف يتم التوصل فيها إلى ورقة عمل، وتشمل المبادرة تشكيل حكومة انتقالية تؤسس لانتخابات تشريعية... في بداية عام 2016، كما يتم انتخاب مجلس شعب قد يؤسس لوضع دستور جديد للبلاد». وفي حين أن المبادرة لن تتناول مسألة الرئاسة في سوريا، فإن المصادر عقبت بأن دمشق لا ترى الوقت مناسباً لإطلاق محادثات مع أطراف معارضة خارجية.
عموماً، قد يكون الحديث عن مبادرات جديدة أحد الأسباب التي أنتجت جواً إيجابياً طغى على زيارة المبعوث الدولي ستيفان دي مسيتورا لدمشق. وهو أعلن، من العاصمة السورية أمس، أن الحكومة السورية تبدي «اهتماماً بنّاء» باقتراحه المتعلق بـ«تجميد» القتال في مدينة حلب، مشيراً الى أن السلطات السورية تنتظر محادثاته مع «الأطراف المعنية الأخرى».
ورأى المبعوث الدولي أن «السوريين بحاجة الى مثال ملموس... ولهذا السبب وصلنا الى خلاصة وهي التقدم باقتراح محدد»، مشيراً الى أنه جرى اختيار حلب بسبب أهميتها الاقتصادية ورمزيتها التاريخية. وأضاف أن «حلب ليست بعيدة عن احتمال الانهيار، وعلينا أن نقوم بشيء قبل أن يحدث ذلك». وقال مقربون من دي ميستورا، أمس، إنه انتقل من دمشق إلى القاهرة، وهي العاصمة العربية التي بدأت تطرح نفسها منذ مدة كصلة بين أطراف الصراع في سوريا، والتي قد تشهد أيضاً خلال الفترة المقبلة حراكاً دبلوماسياً متنامياً مرتبطاً بالمبادرة الروسية، وقد تنجح في استثمار ذلك، نظراً إلى علاقاتها المتينة بالسعودية.
دولياً، لم تظهر تداعيات الحراك الديبلوماسي الروسي بعد، إلا أن مساعد المستشارة الألمانية للسياسة الخارجية والأمنية، كريستوف هويسجن، قال خلال مؤتمر في برلين إن هناك حاجة إلى حل سياسي في سوريا تشارك فيه القوى الإقليمية الكبرى مثل إيران والسعودية. وأضاف في سياق حديثه عن التهديدات التي يطرحها تنظيم «الدولة الإسلامية» أنه حتى في ظل وجود هذا التنظيم «يجب ألا نعتبر (الرئيس بشار) الأسد شخصاً يمكن أن يكون محاوراً أو أن يكون شخصاً يمكننا التعامل معه».
وكان رئيس «الائتلاف السوري» المعارض، هادي البحرة، قد رأى أمس أن اتفاقاً محتملاً لوقف إطلاق نار محلي لن يفيد سوى «النظام»، إلا إذا ترافق مع حل سياسي شامل. وعبّر البحرة، في حوار مع صحيفة «ذي غارديان»، عن أسفه حيال أن «التحالف الدولي يقاتل ظاهر المشكلة الذي هو الدولة الاسلامية من دون مهاجمة أصل المشكلة الذي هو النظام». ورأى أيضاً أن التحالف «يتجاهل بالكامل» مقاتلي «الجيش السوري الحر»، معتبراً أن «ذلك يضعف التحالف الدولي لأنه لا يحقق نتائج على الارض والضربات الجوية وحدها لن تسمح بكسب المعركة ضد التطرف».
(الأخبار، أ ف ب)