أبها | تربط السعودية باليمن علاقاتٌ وطيدة، أبرزها الروابط الاجتماعية بين السكان في الجنوب السعودي وفي الشمال اليمني. فبعيداً من السياسة، تتداخل المناطق الحدودية بين البلدين لتنسحب تلك العلاقات على نواحي حياة السكان من الجهتين، ما يجعلهم أول المتأثرين بأي اضطرابات محتملة بين الجارتين.
في الجزء الجنوبي من السعودية، تقع منطقتا نجران التي يسكنها بعض قبائل النجرانية الشيعية (الاسماعيلية)، وفي الجنوب الغربي تقع منطقة عسير ومدينتها الحيوية أبها، الواقعة على قمم جبال السروات الشاهقة والمرتبطة بطرق وعرة وملتوية، أُنشئت منذ القدم في الجبال مثل «عقبة ضلع» التي جرى تعبيدها حديثاً. تهبط هذه المسالك والطرق إلى سهول تهامة، المنطقة المنخفضة والمساوية لسطح البحر، لتصل إلى نقطة حيوية هي «الدرب»، التي كانت مجرد قرية صغيرة اشتهرت بأنها طريق للمسافرين. وعُدّت «الدرب» محطةً، منذ القدم، ومفترق طرق، حيث يمكن للمسافر أن ينعطف جنوباً قاصداً اليمن، إذ يمرّ بالقرى التي تحوّلت إلى بلدات أو مدن صغيرة مثل «بيش» و«صبيا» وصولاً إلى جازان، المدينة الرئيسية والمركز الاقتصادي جنوباً، وهي في الوقت نفسه البوابة إلى اليمن، حيث لا يحتاج المتجه من جازان نحو منفذ الحدود اليمني «حرض»، سوى إلى ساعة واحدة.

يتبيّن من خلال هذه الخريطة أن الارتباط الطبيعي بين الجنوب السعودي والدولة اليمنية، ليس فقط مجرد محافظات ومناطق متاخمة بعضها لبعض، تتبع حكومتين مختلفتين، بل ينسحب هذا الارتباط أيضا، بصورةٍ كبيرة، على كل ما يتعلق بنواحي الحياة وبأنماط المعيشة والكثير من الأعراف والتقاليد السائدة في المنطقة، المختلفة نوعاً ما عما يتّبعه سكان باقي مناطق السعودية، إضافة إلى أن سكان جازان (أقصى نقطة في الجنوب السعودي)، عرفوا المصاهرة مع سكان اليمن في تداخل أعمق حتى من تداخلهم الاجتماعي مع سكان جبال الساروت، أو مناطق عسير المرتفعة داخل الجنوب السعودي.

ونظراً إلى الديموغرافيا السكانية التي تمددت ما بين جنوب السعودية واليمن تحت مظلة قبائل مشتركة مثل: قبيلة الحكمي والأدارسة وغيرهما، مثلت طقوس المناسبات والمظاهر الاجتماعية والعادات واللكنة، قاسماً مشتركاً بين اليمن وجازان، ما يجعلهما داخل هوية ثقافية واحدة. على ألا ننسى الحركة بين المنطقتين وتهريب السلاح والدخول غير الشرعي للعمال اليمنيين والأفارقة عبر الحدود الجنوبية إلى السعودية.

منذ الحرب بين السعودية والحوثيين عام 2009، تكوّن هاجس لدى سكان الجنوب السعودي من أي حرب جديدة مع الحوثيين. قلق الجنوبيين تضخّم وانتقل بسرعة عجيبة ناشراً الذعر، في تناقلٍ لا يخلو من خطأ المعلومة والمبالغات حول جماعة «أنصار الله»، وسطوتها وبطشها، وعن أنها آتية لبسط النفوذ على الجنوب، من دون أن يعي الناس حقيقة الحراك الحوثي في اليمن وطبيعته، ما جعل مجرد ذكر اسم «الحوثي» على مسمع سكان الجنوب، كافياً ليدلّ على رجل حرب أو مخرّب يريد الاستيلاء على البلاد وتشريد الناس من منازلهم. ومن هذا المنطلق، ترك بعض سكان جازان الحدودية منازلهم في محاولة من السلطات السعودية لإبعادهم عن أي اشتباك عسكري في تلك المناطق.
بعد هذا الإجراء، أصيب الناس المقيمون على الحدود المتاخمة لليمن حتى رؤوس الجبال، بالهلع، في وقت انتشرت فيه الشائعات والقصص الملفقة حول «الحوثي» الذي أصبح رمزاً لتخويف الأطفال. هذا الجو يغذّيه جهل عامة الناس بالتفاصيل السياسية، وخصوصاً مع ترديد النخبة من المثقفين السعوديين لتحليلات سياسية عن دعم «إيران الصفوية» للحراك الحوثي «الشيعي» في اليمن.

قبل أشهر، خفتت الأقاويل والأخبار، ثم عادت أزمة الخوف من الحوثيين مجدداً بالتزامن مع سيطرة «أنصار الله» على صنعاء والحُديدة، فعاد القلق لينتشر بين الأهالي. وبات المواطنون السعوديون من سكان الجبال في عسير يرددون أخباراً عن «وجود يمنيين حوثيين في جبال وقمم منطقة السودة قرب أبها في غرض التجارة»، معبرين عن خشيتهم مما يسمونه «مخططا حوثيا للسيطرة على قرى ومدن الجنوب السعودي». وبالطبع، تسهم المسألة الطائفية مباشرةً في تغذية هذه المخاوف، باعتبار الحوثيين «وحوشاً شيعية ترغب في إذلال السنة».

يخشى العديد من أهالي جنوب السعودية من تمدد الحوثيين إليهم، وهم يدركون الارتباط الوثيق بين جنوب السعودية واليمن، وأن ما يحدث في اليمن سيؤثر عليهم بدرجة كبيرة. كذلك، هم يستحضرون تجربة ليست بعيدة، عندما هاجمت جماعات إثيوبية، من الذين يتسللون من الحدود اليمنية، منازل أهالي القرى في عسير، واستولت على بعض ما يملكون مهددةً المواطنين بالسلاح.

لا يعرف الجنوبيون الكثير عن دهاليز السياسة اليمنية، أو عن الإدارة السياسية السعودية لملف اليمن، بل إنّ كل ما يعرفونه، أن هناك خطراً يأتي من اليمن بسبب تحركات الحوثيين الأخيرة، ويبدو أن التعبئة ضد الحوثيين، ونشر الشائعات، قد نجحا في بثّ الذعر جنوباً.