دمشق | يغيب الحديث منذ أشهر عن تسوية مخيّم اليرموك، حتى أشد المتفائلين يفقدون الأمل باتفاقات «تحييد اليرموك عن النزاع» عندما يصطدمون بالمعطيات الميدانية التي لا توحي بأي انفراج في الأمد المنظور.
وبدلاً من الحلم في العودة إلى المخيّم، بات طموح معظم الفلسطينيين السوريين ينحصر إما بإيجاد مأوى دائم ومستقر في دمشق أو ضواحيها، أو السفر إلى خارج البلاد، لحاقاً بمن بات عددهم يزيد على «250 ألف فلسطيني غادروا البلاد حتى الآن، منذ بداية الأحداث فيها، معظمهم في لبنان والأردن والسويد»، بحسب الناشطة روضة الرفاعي. الأخيرة حدّدت في حديثها لـ«الأخبار»، خريطة التوزع السكاني لمن بقي من النازحين الفلسطينيين من مخيّم اليرموك ما بين «ضاحية قدسيا بالدرجة الأولى، ومدينة جرمانا تالياً، ومن ثمّ أحياء وضواحٍ أخرى كمنطقة نهر عيشة وصحنايا وجديدة البلد».
ما استطاعت التسويات إنجازه هو تحييد عشرات المسلّحين فقط

يؤكّد مصدر ميداني فلسطيني لـ«الأخبار» أن «ما يجري في المخيم يقطع الشك بإمكانية نجاح المبادرات المتوالية لوقف النزاع فيه؛ فالصراع الجاري هناك أكبر من الأطراف المتفاوضة بكثير». يشرح المصدر أنّه «في المناطق الجنوبية من المخيم، توجد العديد من التنظيمات الإرهابية التي تتناحر بدورها في ما بينها: داعش، جبهة النصرة، لواء الإسلام ولواء أبابيل حوران، كلها خارج إطار أية مفاوضات لتحييد المخيم عن الصراع». أما ما استطاعت التسويات السابقة إنجازه فعلاً، فهو «تحييد المسلّحين المنخرطين في التسويات، الذين لا يتجاوز عددهم العشرات، عن مواجهة الفصائل الفلسطينية التي تتولى أمن مناطق في المخيم والجيش السوري، هذا فضلاً عن تأمين إيصال المساعدات الغذائية إلى الأهالي القاطنين فيه». وبين الحين والآخر تدور مواجهات في محيط المخيّم الجنوبي تكفي لمنع أي حديث عن نجاح التسوية، «بين داعش في الحجر الأسود ومجموعات تنتمي إلى جيش الإسلام في مناطق من بلدة يلدا، وكلا الطرفين يشتبكان مع مسلّحين آخرين في مخيّم اليرموك». وتتخذ تلك المواجهات من جنوبي مخيم اليرموك مسرحاً لها، ما أدّى في الآونة الأخيرة إلى كثرة استخدام المفخّخات على نحو واسع في تلك المنطقة لتنفيذ اغتيالات متبادلة بين مختلف تلك القوى. تلك المواجهات بدأت عندما «هاجم مسلّحو لواء الإسلام مقرّاً لداعش في يلدا، واستولوا على الأموال الموجودة فيه التي قدرت بنحو 36 مليون ليرة سورية». عقب ذلك قام رئيس «المجلس المحلي» في الحجر الأسود، ويدعى أبو العباس، بقتل أحد المرتبطين بـ«جيش الإسلام» في مخيّم اليرموك، بإيعاز من «داعش»، الذي يسيطر على مناطق واسعة من الحجر الأسود، وتطورت تلك الحوادث بعد ذلك إلى حرب ضروس بين الطرفين، «فرّ على إثرها كل وسطاء المفاوضات من المناطق المحاذية لجنوبي المخيم، ما أدّى إلى تعطيل كل نشاطات المصالحة والتفاوض في اليرموك». وليست الحال بأفضل في عمق المخيّم، «فقد نشبت أخيراً خلافات بين المسلّحين حول مبالغ بعشرات آلاف الدولارات وقطع ذهبية مسروقة، أدّت إلى قيام بعضهم بزرع عبوة ناسفة بالقرب من بلدية المخيم لقتل شخص يدعى أبو هلال، زعيم مجموعة في لواء أبابيل حوران، وأدى انفجارها إلى مقتل مرافقه وإصابته بجروح».
ولا تحرز المفاوضات التي تجريها الفصائل الفلسطينية مع مجموعات من المسلّحين في داخل مخيم اليرموك أي جديد، بل تتخذ طابعاً بات معروفاً بالنسبة إلى كل المطلعين، يقول أحدهم لـ«الأخبار»: «في كل جولة يطالب المسلّحون بإدخال المساعدات الغذائية والمحروقات والأدوية، بينما يطلب الطرف المقابل خروجهم لإدخال المدنيين، فيرفض المسلّحون بالقول: نحن موجودون لحماية المدنيين. وتستعصي المفاوضات عند هذه النقطة. لتبدأ الاتصالات والمفاوضات غير المباشرة وتخفت وتيرتها تدريجاً، حتى تبدأ جولة أخرى وهكذا».
ينظر أهالي اليرموك الذين يقطن معظمهم في العاصمة دمشق إلى اتفاق التسوية بكثير من التشاؤم. الحاج أبو خالد، المقيم في جرمانا، يعيد لفظ كلمة «سئمنا» ثلاث مرات ممازحاً، مقلداً «هرمنا» التي قالها أحد التونسيين على شاشات الإعلام عشية هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ويقول لـ«الأخبار»: «ما عدنا نتابع أخبار المخيم، فليس فيها إلّا الغمّ والسوء. الحل في المخيم لن يكون إلا بوقفة جدّية لأبناء المخيم، وبالسلاح وحده، ينبغي طرد الغرباء والمجرمين واللصوص، فهؤلاء لن يفهموا إلّا بهذه اللغة».