لم تمر حادثة اعتداء ثمانية من أمناء الشرطة المصرية على طبيبين في مستشفى المطرية العام، مرور الكرام، بل يتوقع لها رد فعل يوازي ما جرى حينما جرى الاعتداء على محامين. وبالرغم من أن الحادثة جرت قبل نحو عشرة أيام، فقد أعقبها تقديم عدد من أطباء المستشفى بلاغاً يحوي اتهامات بالاعتداء على طبيبين وسحلهما بحجة رفضهما تحرير تقرير طبي لأمين شرطة مصاب بجرح قطعي.ففي الثامن والعشرين من الشهر الماضي، ووفق بيان نقابة الأطباء، فإن أمناء شرطة تعدوا بالضرب على الأطباء لرفضهم تزوير تقرير طبي، يشير إلى إصابات غير حقيقية وغير موجودة فعلياً. وعندما رفض أحد الأطباء، أفصح المواطن عن شخصيته بأنه أمين شرطة، وأن الطبيب عليه أن يكتب التقرير الذي يرغب فيه أمين الشرطة.
نقابة الأطباء ــ نجحت في آخر انتخاباتها منى مينا من «الجناح الثوري» ــ لم تتعامل أسوة بالنقابات الأخرى، التي كثيراً ما تختار الصمت موقفاً لها، بل قررت تقديم بلاغ رسمي إلى النائب العام ضد أمناء الشرطة المتهمين في هذه الواقعة، ومطالبة وزير الداخلية باتخاذ الإجراءات التأديبية ضدهم، وليس أخيراً الإغلاق الاضطراري لمستشفى المطرية.
الأمين العام للنقابة، إيهاب الطاهر، أكد أن مجلس النقابة وصلته أنباء عن أن النيابة استدعت بالفعل أمناء الشرطة للتحقيق معهم، لكن «لا توجد معلومات هل وجهت اتهامات إليهم أو لا»، مشيراً إلى أنه تم توفير حافلات في جميع محافظات الجمهورية لحشد الأطباء لحضور اجتماع اليوم (الجمعة)، وخاصة أن «الأطباء في حالة غضب شديد مما يحدث، بسبب تكرار الواقعة في مستشفيات أخرى».
وشدد الطاهر على أن «الجمعية العمومية ستكون غير مسبوقة»، داعياً جهات التحقيق إلى اتخاذ إجراءات عاجلة قبل ذلك. وأوضح أيضاً أن هناك عدة خيارات مطروحة كإجراءات تصعيدية في غياب أي إجراءات قانونية، تتمثل في وقفات احتجاجية وإضراب عن الطعام واستقالات جماعية وإضراب جزئي في مختلف مستشفيات الجمهورية.
لم تتعامل نقابة الأطباء أسوة بالنقابات الأخرى التي كثيراً ما تختار الصمت

في الوقت نفسه، قالت منى مينا، عبر حسابها على «فايسبوك»، إن «المعركة لم تنتهِ بعد؛ فقد طُلبنا أنا والدكتور حسين خيري للإدلاء بشهادتنا في البلاغات التي تقدمت بها النقابة، وبالفعل أصدرت النيابة العامة السبت (الماضي)، أمراً باستدعاء ستة متهمين للمثول أمامها». وأضافت: «من الأمور التي ووجهنا بها أنا والدكتور حسين خيري، أن هناك 22 بلاغاً ضدنا في النيابة؛ وبالتالي هناك احتمال عال بأن يُفتح التحقيق، وتوجه اتهامات بناءً على هذه البلاغات في القريب العاجل».
وفي وقت لاحق، شددت مينا، في تصريح لـ«الأخبار»، على ضرورة أن يكون اجتماع الجمعية العمومية للنقابة قوياً، يظهر فيها وبوضوح موقف قوي لجميع أطباء مصر «خلف أطباء المطرية ومجلس النقابة». ودعت جميع الأطباء إلى المشاركة، قائلة: «للحفاظ على كرامة الأطباء، وحماية أطباء المطرية، وحماية المستشفيات في كل مصر من التحول إلى ساحات معارك».
مينا حرصت كذلك على تقديم الشكر لكل المتضامنين مع النقابة في أزمتها الحالية، قائلة: «كل الشكر للذين ساعدونا في الوقوف أمام الحملة المسعورة في الهجوم على الأطباء». لكن النائب العام، المستشار نبيل صادق، أمر بإعادة فتح المستشفى أمام المرضى والتحقيق في أسباب غلقها، وكذلك استدعاء الدكتور حسين خيري، وهو نقيب الأطباء، مع مينا، لسؤالهما بشأن الأزمة.
في المقابل، لم يفلح مجلس النواب في احتواء الأزمة، وقوبلت محاولاته إقناع النقابة بتهدئة التصعيد أو إجراء تصالح مع رجال الشرطة المتهمين بالاعتداء على الطبيبين بالإخفاق، وذلك خلال المقابلة التي جرت منتصف الأسبوع الماضي مع وفد من النقابة في مقر النواب.
أما وزارة الداخلية، التي بررت مراراً وتكراراً مثل هذه الحوادث بأنها فردية ولا تعبر عن سياسة الجهاز الشرطي، فقد اضطرت هذه المرة إلى أن تعلن على لسان المتحدث الرسمي، اللواء أبو بكر عبد الكريم، أن الوزارة قررت وقف ثمانية من أمناء الشرطة عن العمل وإحالتهم إلى التحقيق. كما سعى عدد من النواب إلى تحويل المعركة لمصلحة إصدار قانون جديد لتأمين المنشآت الصحية، ورفع النائب محمد أنور السادات، مذكرة عاجلة إلى رئيس البرلمان، علي عبد العال، تتضمن مشروع قانون لتوفير التأمين للمنشآت الطبية.
السادات، وهو رئيس «حزب الإصلاح والتنمية»، وصف واقعة الاعتداء على أطباء مستشفى المطرية العام «بالمؤسفة» أثناء تأديتهم عملهم وسط ظروف صعبة للغاية، معلناً تضامنه مع احتجاجات الأطباء «ضد الإهمال والتردي في مستشفيات مصر».
ويعتمد مشروع القانون، الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، على تخصيص الاعتمادات اللازمة لحماية الأطباء في بنود واضحة، وتوظيف العناصر القادرة على تأمين المستشفيات وحماية الأطباء وأعضاء التمريض أثناء عملهم، وتشديد العقوبات على المتعرضين بأي أذى للأطباء أثناء تأدية عملهم.
سلسلة الصراع بين الطرفين ليست الأولى من نوعها، في ظل الهجوم المتكرر لفظياً أو بدنياً من رجال جهاز الشرطة على الأطباء. وقبل مدة، اعتدى أحد ضباط الشرطة على طبيبين في مستشفى بنها الجامعي، لرفضهما ترك حالة حرجة لمصلحة إعادة الكشف على زوجته، وهو ما قابله الأطباء بالتوقف عن العمل حتى اتخاذ الإجراءات القانونية بشأن ما حدث من تعدّ على زملائهم أثناء العمل.