سيناء | على قدم وساق، تشرع معدات سلاح المهندسين التابع للقوات المسلحة المصرية فى تسوية الأرض بعد تفجير بيوت المواطنين في منطقة الشريط الحدودي مع قطاع غزة فور إخلائها مباشرة، تمهيداً للشروع في إقامة منطقة حدودية عازلة مع القطاع.
آليات عديدة، من بينها حفارات وجرافات وسيارات نقل، تعمل في منطقة الشريط الحدودي يومياً منذ الساعة الخامسة صباحا حتى الخامسة مساء. بعد تفجير البيوت، تسرع الجرافات إلى تحميل السيارات بحطام البيوت، فيما تقوم آليات أخرى بتسوية الأرض وتمهيدها وإخفاء كل ملامحها السكانية، بإشراف من قيادات القوات المسلحة في محافظة شمال سيناء.
من جانبه، قال اللواء محمد السعدني، وهو رئيس مركز مدينة رفح لـ"الأخبار"، إن اللجنة المشكلة لحصر المنازل وتقويم قيمتها الفعلية لا تزال تتلقى طلبات المواطنين، وتقوم بإنهاء إجراءات الحصول على التعويضات. وأضاف إنه تم صرف عدد من شيكات التعويض، فضلا عن تسليم 900 جنيه بشكل عاجل لكل أسرة، موضحاً أن غالبية الأسر غادرت منازلها.
وكشف مصدر أمني في رفح أن لجاناً عسكرية تقوم بمهمات رفع المنطقة والإشراف على تسويتها، لافتاً إلى أن العمل في إنشاء المنطقة العازلة قد بدأ بالفعل.
في المقابل، ما زالت عشرات الأسر موجودة في فناء كبير داخل مدينة رفح، بعد إخلاء منازلها وتعثر الحصول على منازل بديلة، فظلت في العراء تحت ظروف إنسانية صعبة، الأمر الذي دعا مؤسسات أهلية إلى جمع الأغطية والبطانيات وبعض الخيام لتقديمها لهم، إلا أن قوات الجيش رفضت إقامة أي خيام داخل المنطقة في رفح.
ويقول رياض صالح القنبز، وهو أحد المهجرين من الشريط الحدودي في المدينة، بعد تفجير منزله في إطار خطة الجيش لمواجهة الإرهاب في شمال سيناء، "منذ عام ١٩٨٦ ونحن نحلم بتعمير شمال سيناء وتحديداً رفح، واليوم وبعد ثورتين، يتم تهجيرنا من منازل بنيناها بالقهر والدم". ويضيف "تحملنا ما لا يتحمله بشر على هذه الأرض، تحملنا أخطاء كل الأنظمة والرؤساء، وصبرنا على وعود كل الحكومات، ولم يتحقق منها شيء، بل نتحمل نحن أكبر فواتير الإرهاب، فندفع أرض أجداد أجدادنا، ونترك منازل حلمنا بتملكها طيلة سنوات، مقابل ٣٠٠ جنيه تعويضاً عن إيجار أي شقة نستأجرها".
يشير القنبز بيده نحو كومة من الأثاث، ويقول إن "هذا أثاث منزلي المكون من طبقتين، ملقى أمام أطلال المنزل، ولا أعلم كيف وإلى أين سأذهب به وبأسرتي، وما أريد تأكيده أننا لم نحصل على تعويضات حتى الآن، لكننا تلقينا وعداً بالانتهاء من صرف التعويضات في الليلة نفسها بعد إخلاء المنازل ومساواتها بالأرض".
وأمام حطام منزله في رفح، وقف أحمد سليمان ليقول لـ"الأخبار"، "هدموا منزلي، وجميعنا يبيع أثاث منزله بأسعار بخسة، لأن مساحات منازلنا التي تم هدمها شاسعة، وطبيعتنا القبلية وثقافتنا تقتضي ذلك، كما أن أغلبنا أكرمه الله بعدد كبير من الأبناء، واليوم لا نعلم إلى أين نحن ذاهبون، ولا نعلم السبب الحقيقي لطردنا من أراضينا، فلم يتورط أي منا في أي أعمال تخريبية".
ويضيف "أبناؤنا هنا يعانون، فرغم أننا نعيش بلا مدارس وبلا تعليم وبلا أدنى رعاية لهم، إلا أننا راضون ومتشبثون بأراضي أجدادنا، ونحن بالطبع أكثر المتضررين من العمليات التي تقوم بها الجماعات التكفيرية هنا، فها نحن ندفع ضريبة ما يفعلون".
قرار إخلاء 500 متر بعد خط الحدود المصرية مع غزة باتجاه عمق المدينة تم تنفيذه دون اتخاذ أي تدابير لحماية السكان ونقلهم إلى مكان آمن بعد إجبارهم على إخلاء منازلهم، واعتبرت السلطات المصرية أن هذا القرار بمثابة بالون اختبار لجدوى القرار وتنفيذه تمهيداً لاتخاذ قرارات أخرى مماثلة لتفريغ مدينة رفح في شمال سيناء من سكانها.
وبعد أيام من تنفيذ قرار إخلاء مسافة الـ 500 متر، صدر نص‬ القرار رقم 1957/2014 عن رئيس مجلس الوزراء المصري، إبراهيم محلب، القاضي بعزل منطقة مدينة رفح، بناءً على مقترح من وزير الدفاع، وذلك على الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي في محافظة شمال سيناء.
‫وجاء في القرار أن حدود‬ المنطقة المعزولة المقترحة هي: "أبو شنار، الرسم شمال ميدان السادات بمسافة 880 متراً، وجنوب شرق ميدان السادات بمسافة 500 متر، وجنوب شرق ميدان السادات بمسافة 1.5 كيلومتر، شمال جوز أبو رعد بمسافة 400 متر، وجوز أبو رعد، شرق جوز أبو رعد بمسافة 2 كم وجنوب المدفونة بمسافة 1 كلم، وشمال شرق أتلة الطيارة بمسافة 2 كلم عند تقاطع خط الحدود السياسية".
‫‏ونص‬ القرار، في مادته الثانية، على ‫إخلاء‬ المنطقة الموصوفة، وتوفير أماكن بديلة لكل من يتم إخلاؤهم، وفي حال الامتناع عن الإخلاء بالطريق الودي، سيتم الاستيلاء جبراً على الممتلكات.
وتنص ‫‏المادة‬ الثالثة من القرار على أنه سيتم تقدير التعويضات المستحقة طبقًاً لأحكام قانون التعبئة العامة والقرارين الجمهوريين 2152 لسنة 1960 و540 لسنة 1987 بشأن تشكيل اللجان المختصة بتقدير وتعويض الأشياء المستولى عليها.
ويأتي هذا القرار تفعيلاً لنص البند السادس من المادة الثالثة من قانون الطوارئ، التي تتيح لرئيس الجمهورية ومن يفوضه إخلاء بعض المناطق إذا كانت قد أعلنت فيها حالة الطوارئ، وكذلك البند 4 من المادة ذاتها التي تجيز الاستيلاء على العقارات والمنقولات.
وتلقى أبناء شمال سيناء قرار رئيس مجلس الوزراء المصري باستياء وغضب شديدين، باعتباره استكمالاً لتفريغ منطقة رفح من الوسط والأطراف، بعد تهجير سكانها إلى أماكن متفرقة، ما يساهم في تشتت عائلات رفح وتفكيكها والقضاء على الروابط الاجتماعية والأسرية في ما بينها.
قرار الإخلاء تم تنفيذه من دون اتخاذ أي تدابير لحماية السكان
ناشط: أهالي سيناء لا يرضون بما يحدث في رفح

ورأت الناشطة، منى الزملوط، أن الإعلام المصري "غسل دماغ الشعب المصري وأفهمهم أن ما يحصل في رفح المصرية من تهجير هو لمحاربة الإرهاب، برغم أن رفح لا يوجد فيها إرهاب وبعيدة كل البعد عن العنف مع الجيش، ولا يمكن لمواطن في شمال سيناء أن يصدق بأن تهجير أهالي رفح جاء بهدف محاربة الإرهاب".
وأضافت إن "مشكلة رفح في الأنفاق، ولو أن هدف الدولة كان الأمن القومي لكانت بعد هدمها للأنفاق أقامت سوقاً حرة وميناء تجارياً وشغلت كل شباب سيناء، لكن مصر اختارت الخيار الأسهل وهو التهجير بمزاعم القضاء على الإرهاب القادم عبر الأنفاق من قطاع غزة التي كانت تعمل لآخر لحظة قبل البدء في عملية الإخلاء وبعلم المسؤولين في القوات المسلحة".
ويؤكد الناشط السياسي، سعيد أعتيق، وهو من سكان الشيخ زويد، أن "أهالي سيناء لا يرضون بما يحدث في رفح، لأن أول من يصيبه الضرر من كل ما يحدث في سيناء هو المواطن السيناوي، الذي عانى سنوات طويلة من التهميش والإقصاء، وإحساسه بأنه مواطن من الدرجة الثالثة، ومنهم من يشعر بأن الدولة تتعامل معه على أنه غريب عنها وليس من أبنائها".
ويشير إلى أن كثراً من أهالي سيناء الذين تعاونوا مع الجيش تم استهدافهم من قبل "التنظيمات الإرهابية" الموجودة فى سيناء، لكن لم تخرج المؤسسة العسكرية ببيان واحد تنعاهم فيه، ويضيف إن "الدولة تتعامل مع أبناء سيناء على أنهم مرشدون للأمن وليسوا شركاء حقيقيين فى استقرار أرض سيناء، وأن كل أهالي سيناء تحت دائرة الاشتباه... فالمعنيون لم يشركوا أبناء سيناء في شراكة حقيقية لمواجهة الإرهاب".
بدوره، اعتبر الخبير السيناوي في شؤون القبائل، مسعد أبو فجر، وهو العضو السابق في "لجنة الخمسين" لتعديل الدستور، أن ترحيل أهالي سيناء إعلان الحرب من الدولة المصرية على قبائل سيناء. واعتبر أن الترحيل هو بمثابة إعلان حرب من الدولة المصرية على أكبر وأشرس ثلاث قبائل في سيناء "وهي من الجنوب إلى الشمال: الترابين – السواركة- الأرميلات".
وتابع قائلاً "الحقيقة أن من العار طرح فكرة الترحيل للنقاش، الترحيل يصبح جريمة بمجرد مناقشته".