القاهرة | بالرغم من أن المبادرة التي دعا إليها قبل يومين القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، علي فتح الباب، للتفاوض بين الإسلاميين والنظام المصري ليست الأولى منذ أحداث 3 تموز 2013 (تاريخ عزل الرئيس محمد مرسي)، لكنها أثارت جدلاً واسعاً بين النخبة المصرية عامة والإسلاميين خاصة، حيث إنها أتت من قيادي بارز في الجماعة واعترفت بشرعية النظام الجديد وبرئيسه، عبد الفتاح السيسي.
وكان فتح الباب، الذي أطلق سراحه من السجن أخيراً، قد دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي وجماعة الإخوان المسلمين إلى تقبل إجراء حوار شامل عبر وسطاء، مشيراً إلى أن دعوته شخصية ولا تمثل «الجماعة» رسمياً.
وبالرغم من عدم الكشف حتى يوم أمس عن البنود الكاملة لمبادرة فتح الباب، زعيم الأغلبية في مجلس الشورى السابق، إلا أن ردود فعل القوى الإسلامية جاءت رافضة في مجملها أو متحفظة على الأقل.
وقال الدكتور أحمد رامي، المتحدث باسم «حزب الحرية والعدالة» المنحل، الجناح السياسي لجماعة الإخوان، إن مبادرة فتح الباب «فردية» إلى الآن، نابعة من شخصه، ما يعني أنها لا تمثل «الإخوان» ولا علاقة للجماعة بها. غير أنه عاد ليفتح الباب مجدداً أمام التفاوض، إذ أضاف: «أرى ألا يتعاطى معها الإخوان ويتركوا الكرة في الملعب الآخر، وكل صراع سياسي بما فيه الحروب تنتهي بتفاوض».
واستطرد رامي: «من حيث المبدأ، على الجميع أن يمتلك النضج الكافي ويتحلى بالمسؤولية، التي تجعل أي قيادة تقرر للقواعد أن أي مفاوضات أو اتصالات مع أي أطراف، حتى وإن كانت متحاربة، هي أمر طبيعي، وعلينا أن نعلم أن المتصارعين في الحروب يتفاوضون، ولكن دور القيادات ليس فقط أن تحقق رغبات قواعدها وتعبر عنها، بل أن تتوجه للقواعد بالخطاب الذي تراه يحقق المصلحة العامة».
ولا يمكن تجاهل ما اعتبره مراقبون «نقلة نوعية» في الخطاب المستخدم في رسالة قيادي «الجماعة» تجاه الرئيس المصري، وهو «قائد الانقلاب». ففي رسالته يوجه فتح الباب الكلام للسيسي، قائلاً: «أنت من أبناء القوات المسلحة، وتربيت على عقيدة أن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وننتظر منك خطوة مهمة ومطلوبة وضرورية بأن تعلن إجراء حوار ومصارحة ومكاشفة تعلي بها مصلحة الوطن وتنقذه».
ويذكر أن فتح الباب أُلقي القبض عليه في منزله في حلوان جنوبي القاهرة في 28 آب 2013 قبل أن يُطلَق سراحه ويُستبعَد من القضايا المتهم بها في شهر نيسان الماضي، وقد اختفى عن الإعلام منذ ذلك الحين قبل ظهوره في البرلمان العربي الأسبوع الماضي، مشيداً بالجيش المصري باعتباره خطاً أحمر يجب عدم إضعافه.
ولعل هذا التحول الدراماتيكي في خطاب القيادي «الإخواني»، هو الذي دفع إمام يوسف، القيادي في «حزب الأصالة» (توجه سلفي) و«التحالف الوطني لدعم الشرعية»، ليرد بعبارة واحدة: سعيكم مشكور. وقال متوجهاً بكلامه لفتح الباب: «نحن نعلم أن مصلحة الوطن تعارضت مع مصلحتكم الشخصية، واخترتم مصلحة الوطن، ونقدر لكم ذلك». لكنه أضاف أن «المؤسسة العسكرية لا تريد المصالحة السياسية مع التيار الإسلامي على الإطلاق ولا ترى سوى المخرج الأمني».
ويتفق مع يوسف في ذلك مصطفي البدري، وهو القيادي في «التحالف الوطني لدعم الشرعية». ويحذر البدري من أن «المبادرة لن يقبلها أحد»، مضيفاً أنه إذا استطاع فتح الباب أن يخرج للشعب المصري «بمبادرة عملية تعيد الحق كاملاً لأصحابه وتحاسب كل من اعتدى على دماء وأعراض وحقوق الشعب، وتخرج المعتقلين وتعوضهم عن الظلم الذي تعرضوا له طوال الفترة الماضية، فأهلاً وسهلاً بمبادرته وعلى الرحب والسعة».
من جهته، قال القيادي «الإخواني»، جمال عبد الستار: «لم تصلنا مبادرة فتح الباب للحوار مع السيسي، ولا نوافق على هذا النوع من المبادرات أصلاً». لكن عموماً، فإن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في توزيع الأدوار وفتح قنوات التفاوض مع الأنظمة لا تخطئه عين.
وكان من بين أبرز المبادرات السابقة ما طرحه أستاذ العلوم السياسية في «جامعة القاهرة»، حسن نافعة، في شهر شباط الماضي، تحت عنوان خريطة إنقاذ للوطن من محنته الراهنة.
وفي المبادرة، طلب نافعة من السلطة الحالية التخلي عن اعتقادها بأن بإمكانها استئصال الطرف الآخر، مقترحاً «تشكيل لجنة حكماء محدودة العضوية تضم بعض كبار المفكرين، ويفضل أن تكون مطعمة ببعض صناع القرار، للاتفاق على مبادئ وقواعد عامة يتعين على جميع الأطراف الالتزام بها لتكون بمثابة بوصلة موجهة للسلوك ودليل عمل للمستقبل».
مهما يكن، فقد بدت وما زالت الوساطات ومبادرات الصلح - باعتبارها حلاً سياسياً - بديلاً غير مهمل لدى الطرفين، لكنه في الوقت ذاته ليس بديلاً أصيلاً، فـ«تحالف دعم الشرعية» يتحرك ما بين حل سياسي وحل ثوري، فيما يتحرك النظام بين حل عسكري وآخر سياسي، وهو ما يبدو كأنه محاولة للجمع بين المتناقضات.