أعادت قوات الاحتلال إغلاق المسجد الأقصى بصورة كاملة، يوم أمس، لتأمين اقتحام النائب اليميني في الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود، موشيه فيغلين، وهو الإغلاق الثاني الكلي بعد إغلاق يوم الخميس الماضي الذي كان الأول من نوعه منذ عشرات السنوات. وجرى الاقتحام تحت تأمين عسكري ضخم، ما أثار استفزازاً كبيراً لمشاعر المقدسيين الذين خاضوا اشتباكات متفرقة في المدينة المحتلة، نجم عنها عدة إصابات.

مقابل ذلك، دعا رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، وزراءه وأعضاء الكنيست من كل التيارات السياسية إلى تهدئة الأجواء، مؤكداً أن إسرائيل لن تبادر إلى تغيير الوضع القائم في الأقصى، لكن هذا الكلام يوجب التوقف عنده وما ينطوي عليه من خلفيات وأبعاد، وخاصة أنه تزامن مع اقتحام فيغلين. ومن المهم الاطمئنان إلى أن نتنياهو لا ينطلق في موقفه، الذي ذكره في الاجتماع الأسبوعي لحكومته، من اقتناع أيديولوجي أو سياسي مطلق، بل هو استغل الجلسة لتأكيد ما يسميه «حق إسرائيل والشعب اليهودي في جبل الهيكل»، مشدداً على «التمسك بحقوقنا» في هذه المنطقة.
ووفق منطقه نفسه، ينبع موقفه الرافض لتغيير الوضع القائم من أن التوقيت الحالي غير ملائم، مع أن الوضع الإقليمي الحالي يتحرك في مسار يمنح الاحتلال هامشاً واسعاً من الشعور بالأمن القومي والقدرة على المبادرة العملانية مقابل غزة والداخل الفلسطيني. لكن إدراك نتنياهو المكانة التي يحتلها المسجد الأقصى في الوعي والوجدان العربي والإسلامي دفعه إلى تأجيل أي خطوة في الإطار، وذلك برز في الكلام الذي قاله أمس، وتحديداً جملة أن الحفاظ على الوضع القائم «لكل الأديان هو من أجل منع نشوب اشتعال "الوضع" انطلاقا من جبل الهيكل»، لافتاً إلى أن «إشعال نيران دينية أسهل بكثير من إطفائها».
وشدد رئيس وزراء العدو لوزرائه ونوابه على أن «المطلوب حالياً هو رباطة الجأش والمسؤولية»، رابطاً موقفه بالظرف السياسي الإقليمي لجهة التطابق بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، من دون أن يسميها، وذلك في النظرة إلى الخطر الذي يمثله «الإسلام المتطرف المنتشر في الشرق الأوسط».
في هذا السياق، أشار نتنياهو إلى أنه خلال 48 ساعة مضت، أجرى اتصالات مع قادة الدول المجاورة، ومع الدول الإسلامية وأيضا مع وزير خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، وكذلك مع رئيس الكنيست، وأعضاء كل التيارات الإسرائيلية، كما طلب من قادة الإسرائيليين ألا يتقدموا بمشاريع خاصة وأن يتحلوا بالهدوء، معللاً ذلك بأن «هذه الأيام حساسة جداً».
مع ذلك، ينبغي تظهير حقيقة أن نتنياهو عندما يتحدث عن المحافظة على الوضع القائم لا يقصد السماح للمسلمين بمواصلة العبادة في الأقصى، بل يشير إلى معنى أوسع. إذ في الوضع القائم تمنع إسرائيل المصلين الذين هم دون الخمسين من الصلاة في المسجد، وتسمح لليهود، بمن فيهم المسؤولون الرسميون، باقتحام المسجد.
على ضوء ذلك، يصبح الإعلان عن المحافظة على الوضع القائم منطوياً على الإبقاء على السياسة الحالية التي تساهم في رفع درجة التوتر واستفزاز الفلسطينيين. كما تأتي مواقف نتنياهو بعد سلسلة من التصريحات الإسرائيلية، منها ما صدر على لسان وزير البناء والإسكان، أوري أريئيل، الذي ينتمي إلى «البيت اليهودي»، وكان قد أكد أن «السيادة على (الحرم القدسي) هي لإسرائيل وحدها».

قوانين مشددة

في سياق متصل، يظهر أن إسرائيل تريد منع الفلسطينيين من إلقاء الحجارة احتجاجاً على قتلهم أو مصادرة أراضيهم أو انتهاك مقدساتهم، وإذا فعلوا ذلك، فإن عقوبة تصل حتى 20 عاماً في السجن تنتظرهم وفقاً لمشروع القانون الذي أقرته حكومة الاحتلال أمس.
المشروع الذي يرمي إلى تعديل قانون العقوبات القائم تقدمت به وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، وينقسم إلى جزءين، الأول يتعلق بإلقاء الحجارة أو الزجاجات الحارقة أو أي جسم آخر على السيارات ووسائل المواصلات العامة، وفيه تصل العقوبة إلى عشر سنوات بسجن فعلي، في حين تصل العقوبة إلى 20 سنة (سجن فعلي) في حال كان الإلقاء بقصد إصابة المسافرين في السيارات الخاصة أو وسائل المواصلات العامة.
في الجزء الثاني، الذي يتعلق بإلقاء الحجارة أو الزجاجات الحارقة أو أي أجسام أخرى على الشرطة الإسرائيلية وسيارات الشرطة، تصل العقوبة فيه بالسجن الفعلي إلى خمس سنوات.
يأتي هذا القانون وفقاً لتصريحات ليفني لاستعادة الهدوء والأمن في القدس المحتلة. وقالت في تبرير اقتراحها: «لن نسمح بأن يعيش المواطنون الإسرائيليون تحت خوف إلقاء الحجارة، ولن نستخف بالتعرض لأفراد القوات الأمنية الذي يعملون لحماية مواطني إسرائيل». وإذ رأت أن إلقاء الحجارة هو عمل إرهابي، شددت على أن الرد عليه سيكون واضحاً وشديداً، «فالإرهاب هو إرهاب، والإرهابي هو إرهابي، ولا فرق في السلاح الذي يستخدمه».
من جهة أخرى، رأى نتنياهو أن الخطوات القانونية الشديدة ضرورية لإيقاف النشاطات «الإرهابية» في القدس، وقال إن «اسرائيل تتخذ خطوات صارمة ضد الإرهابيين وراشقي الحجارة وقنابل المولوتوف والمفرقعات النارية... سوف نسن قوانين أشد في هذا الشأن».
يشار إلى أن قانون العقوبات النافذ ينص على السجن عامين لرمي الحجارة، فيما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن من صاغ التعديلات الواردة في مشروع القانون الذي أقرته الحكومة هو نائب المستشار القضائي للحكومة، راز نيزري، وذلك في انتظار تقديمه إلى الكنيست. وكتب نيزري في موجبات التعديل أن «إلقاء الحجارة بات ظاهرة منتشرة في السنوات الأخيرة، وأنه تقدم بألف لائحة اتهام بهذا الخصوص كل عام». واعتبر أن قانون العقوبات القائم يوفر حلاً جزئياً لمواجهة هذه الظاهرة.
وأضاف المستشار القضائي: «الحاجة إلى تعديل القانون في موضوع إلقاء الحجارة نشأت خلال مداولات طاقم برئاسة سكرتير الحكومة، أفيحاي مندلبليت، وتناولت سبل معالجة الوضع الأمني في شرقي القدس الذي تشكل في أعقاب قرار اتخذه الكابينيت»، أي الحكومة الأمنية المصغرة.

الرد الفلسطيني

في المقابل، قالت رئاسة السلطة الفلسطينية، إن دعوة بنيامين نتنياهو أعضاء الكنيست إلى تهدئة الأمور «خطوة في الاتجاه الصحيح»، وخاصة لما يمثله «المسجد الأقصى من أهمية دينية للمسلمين، وضرورة استمرار العمل على خلق أجواء التهدئة». وأشارت السلطة إلى أن هذه «الانتهاكات من المتطرفين ستؤدي إلى نتائج خطيرة ستنعكس على المنطقة بأسرها، وهذا ما لا نريده».
كذلك، توقع مسؤول فلسطيني قبل يومين أن يطرح الأميركيون «حلولاً وسطية» خلال اللقاء بين كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، ووزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي سيعقد اليوم، وذلك بهدف دفع الفلسطينيين إلى التخلي عن مطالبة مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وفي وقت سابق، أعلنت الخارجية الاميركية أن كيري سيلتقي عريقات لإجراء محادثات حول «طريقة المضي قدماً» في عملية التسوية المعطلة، وأيضاً حول الوضع في غزة. كما سيبحثان سبل «خفض التوتر في القدس».