غزة | يمكن القول، أسفاً، إن 51 يوماً من القتل والدمار في غزة أخفقت في طيّ صفحة الابتزاز بـ«المعابر»، بل فتحت الحرب صفحات جديدة من رحلة لجوء الغزيين في خيامهم أو الكرافانات التي يغرقها المطر. فعجلة إعادة الإعمار لم تدر كما كان متوقّعاً، وصارت المعابر الورقة المصرية ـ الإسرائيلية لعقاب غزة، تارة بالإغلاق الكلي أو الفتح الجزئي المقنن.
وصحيحٌ أن نيران الحرب على القطاع لم تشتعل مجدّداً، لكن العدوّ برع في اصطياد الفرصة المناسبة لخنق غزّة وإحكام قبضته عليها، فهو أغلق مساء أول من أمس معبري «كرم أبو سالم» (جنوب شرق القطاع)، و«بيت حانون» (شمال) حتى إشعار آخر بحجّة إطلاق صاروخ واحد سقط في مستوطنة «أشكول»، وذلك قبل أن يلقي بظلال «رحمته» على غزّة فيعلن فتح «أبو سالم» اليوم جزئياً لإدخال المحروقات فقط.
على جانب آخر، تلوّح القاهرة بعصا معبر رفح كلما شكت سيناء، والهدف كما يبدو إكمال تأليب الناس على المقاومة حتى حرمانها حاضنتها الشعبية. كما أن قصر المسافة الفاصلة بين إدخال غزّة قفص الاتهام وسدّ بوابة «رفح» بوجهها إثر حادثة سيناء التي راح ضحيتها 30 جندياً مصرياً، وبين إغلاق العدو المعبرين يشي بتداخل السياسة المصرية مع الإسرائيلية في استخدام سياسة «العصا والجزرة».
وحاول الاحتلال في المدة الماضية دغدغة مشاعر الغزيين واللعب على الوتر الديني حينما جرى تقديم التسهيلات على حاجز «إيريز»، والسماح لهم بالصلاة في المسجد الأقصى بعد سنوات عدة من الغياب، وهو اليوم نفسه من يقود الحرب ضد القدس، لكنه على جانب غزة يحاول ترسيخ قاعدة الحرمان والعطاء مقابل تبني أهل القطاع خيار المقاومة أو العزوف عنه. كما أن مصر التي أغلقت معبر رفح نحو 190 يوماً منذ بداية العام لم تشبع نهم «ثأرها» القديم من «حماس».
في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال إخفاق الوفد المفاوض الفلسطيني في محادثات وقف النار، وخاصة معالجة قضية المعابر وتشريح البنود المتعلّقة بها، فهي منذ اليوم الأول جاءت على نحو فضفاض من دون أيّ تفاصيل تكشف للغزيين آليّة فكّ الحصار عمليّاً. كل ذلك بعدما رفع الوفد سقف أمنيات الغزيين بتحسين شروط الحياة وتشييد المطار والميناء، حتى باتت أحلامهم محصورة في الوضع الذي كان قبل الحرب، ولسان حالهم يقول: «كأنّك يا زيد ما غزيت».
ما زاد الطين بلّة نيران تواصل المناكفات السياسية بين «فتح» و«حماس» على آلية إدارة المعابر، فالأولى تتبنى خيار «التسليم والتسلّم»، والثانية خيار «الشراكة»، وخصوصاً أن الدول المانحة رهنت إعادة الإعمار بتسلّم الحرس الرئاسي معابر القطاع، وهو ما لم يحدث ولا يعرف كيف ومتى سيكون.
ومع أنّ إغلاق المعابر يمثّل خرقاً فاضحاً لتفاهمات وقف النار في نهاية آب المنصرم، لكن فصائل المقاومة لم ترفع نبرة تهديدها للعدوّ بإعادة استئناف إطلاق الصواريخ في حال إصراره على التنصّل من التفاهمات. حتى إن القيادي الحمساوي محمود الزهار، المعروف بصلابة مواقفه، اكتفى بالقول: «إسرائيل تحاول وضع الحجج لتثبيت الحصار، وهذه قصص لا تنطلي علينا. إذا لم يرفع الحصار عن غزّة، فإننا غير ملتزمين بما تم الاتفاق عليه».
في ما يخص دور الوفد المفاوض في إعادة تدارك الموقف، يوضح بسّام الصالحي، وهو أحد أعضاء الوفد، أن «إسرائيل فرضت شروطاً مذلة لإعادة إعمار القطاع، بما يعني تنظيم وإدارة الحصار وليس إنهاءه، سواء تسلمت حكومة التوافق أو لم تتسلم». ويضيف في حديث مع «الأخبار»: «إسرائيل حوّلت التفاهمات إلى نوع من التسهيلات والإجراءات الإدارية المستحدثة على «إيريز»، من أجل التهرّب من مسؤوليتها تجاه القطاع». ويمكن التلمس من تصريحات الصالحي أن الاتصالات مع مصر شبه متجمّدة خلال هذه المرحلة، فهو أكد صعوبة استئناف المفاوضات في النصف الثاني من هذا الشهر إذا لم يبثت العدوّ جديته في إنهاء الحصار كلياً.




«كوكا كولا» في غزة

كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية النقاب عن أن سلطات الاحتلال وافقت على إقامة مصنع لمشروب «كوكا كولا» في غزة، إذ من المتوقع أن يباشر في إقامة المصنع خلال الأسبوع الجاري. وذكرت الصحيفة في عددها الصادر، يوم أمس، أن الجهات الأمنية لسلطات الاحتلال وافقت على إقامة مصنع ضخم لـ«كوكا كولا» في غزة، ومن شأنه أن يوفر في مراحله الأولى المئات من الوظائف للعمال، على أن يوفر لاحقاً حوالى ثلاثة آلاف فرصة عمل.
وأوضحت «يديعوت» أن الطلب لإقامة هذا المصنع تقدّم به أخيراً أحد المبادرين الفلسطينيين إلى «منسق شؤون المناطق في وزارة جيش الاحتلال» الذي حوّله إلى الجهات ذات الاختصاص، وتمت المصادقة على إقامة المصنع بعد تمرير الطلب ووجهة نظر الاختصاصيين إلى وزير جيش الاحتلال.
يذكر أن أهالي القطاع يتلقون منتجات هذه الشركة من المصنع الموجود في الضفة المحتلة، وغالباً ما يتعرض تزويد القطاع بهذه السلعة للتشويش بسبب عمليات الإغلاق المتكررة لمعابر القطاع. كما أشارت الصحيفة إلى أن المصنع سيُقام في المنطقة الصناعية المسماة «كارني»، وأن إقامته ستستكمل بعد ستة أشهر من الآن.

(الأخبار)