أغلق العالم ابوابه في وجه قطاع غزة، وأدار الجميع وجهه عن ذلك الجزء من الكرة الارضية. هل يمكن التخيل انه في القرن الواحد والعشرين هناك مليون ونصف انسان محاصرون بسبب خيار اتخذوه وهو مقاومة المحتل. على هذه الكرة الارضية هناك بشر ممنوعون من التنقل او السفر، ممنوع عليهم ادخال المواد الاولية لإعادة اعمار بيوتهم التي هدمت بسبب حرب شاهدها العالم مباشرة على الهواء. هذه الضريبة دفعها ابناء القطاع بسبب مطالبتهم بأدنى حقوقهم الشرعية، وهو العيش بكرامة.
في الحرب الاخيرة التي شنها العدو الاسرائيلي ضد سكان القطاع استشهد ما يقارب 2077 شهيداً، مات هؤلاء ليعيش مليون ونصف انسان بكرامة، ماتوا على أمل ان تكون دماؤهم طريقاً لاهل القطاع في اتجاه الحرية، لتكون ارواحهم الطريق لكسر الحصار الذي امتد ما يقرب عشر سنوات، وليكونوا من عليائهم شهداء على فتح المعابر، وعلى العيش بكرامة. على مدى 51 يوماً عاش ابناء القطاع حرباً لم يحرك العالم ساكناً لأجلهم، لكن ابناء القطاع صمدوا، لأن لا خيار لهم سوى الصمود. صمدوا على امل فتح معبر رفح، صمدوا على امل السماح لهم بالصيد على مسافة 6 أميال بحرية، صمدوا على امل ان يصبح عندهم ميناء ومطار، صمدوا على امل انه من بعد الموت والدماء ستُبعث الحياة من جديد. دفع الـ2077 شهيداً دماءهم... وماذا جنينا كغزيين وفلسطينيين؟ لا شيء. بالعكس ضيق العالم الخناق على القطاع واهله أكثر. لم تدخل مواد بناء لإعمار ما تهدم، لم تدفع التعويضات لمن دمرت بيوتهم، لم يحصل شيء. في غزة كل شيء ممنوع، اما الشيء الوحيد المسموح به فهو الموت. الموت مجاني ويوزع بـ«بلاش» في القطاع. بالنسبة إلى زعماء العالم العربي يجب علينا ان نموت لكن بصمت، فهم لا يريدوننا ان نزعجهم حتى بموتنا.
منذ يومين اغلق العدو معابره مع القطاع وذلك حتى إشعار آخر. نتفهم قرار العدو، بإغلاق المعابر فهو في النهاية عدو، ومن المتوقع قيامه بأعمال عدائية ضد من تحدى غطرسته. لكن من غير المفهوم ردة الفعل المصرية تجاه سكان القطاع. لو استطاع الحكام في مصر إغلاق البحر ومنع الهواء من الوصول الى غزة المحاصرة لفعلوا. ما يحاول هؤلاء فعله هو إهانة كرامتنا واقناعنا بأسلوب الحياة الذي رسموه ويريدونه لنا. ربما على ابناء القطاع جرّ الاسرائيلي الى حرب جديدة. لا نملك شيئاً لنخسره. لا خوف على تهديم بيوتنا، فهي مدمرة اصلاً. الآن من مصلحتنا جرّ العدو الى حرب جديدة لانه سيكون في مأزق اذ لا بنك اهداف لديه لقصفها وكل الاهداف المفترض تدميرها دمرت. ما البديل امامنا لإيقاظ العالم من سباته العميق؟ ما البديل ليدرك العالم ان هناك بقعة على هذه الارض يموت سكانها بسبب نقص الدواء وان اعداد الموتى بـ«المفرق» يوازي عدد الذين قتلتهم اسرائيل بـ«الجملة» في حربها الاخيرة؟ هل تملك المقاومة الجرأة على جر العدو الى حرب جديدة؟ حسناً لا نريد حرباً جديدة، فلتعبر المقاومة عن امتعاضها مما يجري بإطلاق صواريخ 107 على مستوطنات غلاف غزة. فلتطلق يومياً صاروخاً واحداً على سديروت لتقلق راحة المحتل. لماذا على ابناء غزة الموت بينما يعيش باقي العالم بهدوء؟ لنحول حياتهم الى جحيم كما يريدوننا ان نعيش في جحيم فرضوه علينا. كل هذا يجري تحت انف العالم لكن القابع في رام الله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لا يرى ذلك. بالتأكيد بصره ليس بحديد، لن يرى ما يجري في غزة إذ إنه أساساً لا يرى ما يجري تحت بصره في القدس. لا يرى ماذا يفعل الشبان المقدسيون هناك، وكيف يبدعون في مواجهة المحتل. ابو مازن لا يملك الجرأة على تحويل هذه الاشتباكات التي تجرى يومياً على حواجز الاحتلال الاسرائيلي الى اشتباكات مسلحة. لا يستطيع اعطاء سلاح للشبان الذين يواجهون العدو بالالعاب النارية، ابو مازن اجبن من الإقدام على هذه الخطوة، فهو ليس الراحل ياسر عرفات، ولن يكون. يعرف ابو مازن انه في اخر ايام حياته، وانه لم يبق من العمر الكثير، وهو كان قد قال ذلك امام اللجنة المركزية لفتح مرة. لذلك على رئيس السلطة واحتراماً لشيبته وكبرته ان يعتزل الحياة السياسية، ليترك الشعب يقرر مصيره، والمواجهات اليومية تشير الى المزاج العام الفلسطيني وما يريد. ابو مازن احتراماً لما قد يكتبه التاريخ عنك يوماً ما اعتزل السياسة، اذهب الى عمان وتمتع بممتلكات ولدك. بالعودة الى غزة، ما علينا إلا ان نعدل قليلاً على مقولة الراحل محمود درويش «حاصر حصارك بالجنون، فإما أن نكون» او لا يكون أحد.