على مدار الأشهر الماضية، ظلت القدس المحتلة تستحوذ اهتمامات المؤسسة الإسرائيلية الأمنية والسياسية وصولاً إلى الإعلامية؛ فمن جهة تحاول تل أبيب فرض سياسة التهويد التي تهدف إلى طمس كل ما يمت إلى الفلسطينيين بصلة، ومن جهة أخرى يواصل أهالي القدس احتجاجاتهم وتصديهم لقوات الاحتلال بما يملكون.

وبعد العملية البطولية التي استهدفت رمز سياسة التهويد في القدس، يهودا غليك، أتت تظاهرات «يوم الغضب» التي تعرضت للقمع الإسرائيلي. وقبل ذلك لم تهدأ المدينة المحتلة منذ شهور في التعبير عن موقفها ضد الاحتلال وسياساته. وخطورة ما يجري، بالنسبة إلى القيادة الإسرائيلية، أن سكان القدس لم يدفعهم الواقع الذي يعيشه محيطهم العربي وما آلت إليه حالهم فلسطينياً إلى الركون والتخلي عن مناهضة الاحتلال. بل هم يواجهون سياسات التهويد المتعلقة بالمستوطنات أو المسجد الأقصى.
مع ذلك، فإن القلق الأكبر لدى تل أبيب هو أن تتحول أحداث القدس إلى شعلة تمتد إلى باقي المناطق الفلسطينية، وخاصة أن ما يجري مفتوح على مجموعة من السيناريوات بعضها أقل قلقاً أو طمأنينة إلى العدو، انطلاقاً من أن هناك عدداً من القيود السياسية وغير السياسية التي تحول دون تحوّل حركات الاحتجاج الشعبي إلى انتفاضة شاملة تمتد إلى الضفة المحتلة. لكن الجزء الآخر، من السيناريوات، هو الذي يثير القلق الإسرائيلي وينطلق من إمكانية تدحرج الأحداث نحو أساليب متطرفة، واتساع نطاقها لتشمل الضفة.
وبذلك يستحوذ مستقبل الواقع القائم في القدس وسائر المناطق الفلسطينية على اهتمامات التقدير الاستخباري، وهو ما لفتت إليه القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، ونقلت عن مصادر أمنية أن من غير المتوقع أن تتوقف الأحداث في المدة القريبة. ورجّحت تلك المصادر أن تستمر الأحداث لأسابيع مقبلة، بل حتى أشهر، لكن المصادر نفسها وجدت عدداً من المؤشرات تطمئنها إلى مآل التطورات في القدس، ومنها، كما أشارت القناة، أنه لا يقف وراء الأحداث قيادة توجهها، ولا تسلسل هرمي ينظم حركة الاحتجاجات.
أيضاً نقلت «العاشرة» أن المقاوم معتز حجازي الذي استهدف غليك، سبق أن نفذ عمليات أخرى منذ تحريره من الأسر عام 2012. ويحاولون في «الشاباك» استيضاح هل كان أحد أقربائه أو أصدقائه قد ساعده في تنفيذ العملية أو عمليات أخرى، من ضمنها «إطلاق نار استهدف جندياً إسرائيلياً وقع في القدس الشرقية في آب الماضي»، وفق تقرير آخر.
ونتيجة المخاوف من تحول جنازة الشهيد حجازي إلى مناسبة لتعبير سكان القدس عن موقفهم من عمليته، والتحول إلى دافع إضافي لمزيد من الحوادث، سلم الاحتلال جثمان الشهيد عند المقبرة قبيل منتصف الليلة الماضية بعد أن فرض طوقاً عسكرياً ونصب حواجز في شارع صلاح الدين لمنع جموع المواطنين من المشاركة في التشييع. لكن المئات من الشبان الذين منعهم الاحتلال من المشاركة في التشييع احتشدوا وهتفوا للشهيد والأقصى متحدّين الحصار العسكري المشدد.
وكانت محكمة الاحتلال قد فرضت قيوداً بتحديد عدد المشاركين بالتشييع بـ٤٥ شخصاً فقط، وتسليمه عند المقبرة من دون إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه في حي الثوري من بلدة سلوان حيث منزله.
من جهة أخرى، تصدرت أحداث القدس وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومن ضمن ذلك ما أوردته صحيفة «هآرتس» التي لفت تقرير فيها إلى تصاعد عدد منفذي العمليات في السنوات الأخيرة، بالمقارنة مع مدن الضفة، وهو وضع يخالف ما كان في السابق وخاصة في الانتفاضة الأولى. وأوضح التقرير أن عملية «الأسرلة» في سلوك المقدسيين لتسهيل أمور حياتهم اليومية صارت تترافق مع تعزز المشاعر القومية والدينية والاتجاه نحو التصعيد ضد الاحتلال.
وأشار التقرير إلى أنه رغم عدم اتضاح أن استهداف غليك نفذه شخص واحد أو أكثر، فإن حجازي ينضم بذلك إلى ثلاثة آخرين نفذوا ثلاث عمليات في الشهور الأربعة الأخيرة. وتساءلت الصحيفة عن «عدد الشبان المقدسيين الذين يجلسون في بيوتهم ويخططون لتنفيذ عمليات»، كما تساءلت عمّا إذا كانت إسرائيل، في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن انتفاضة شعبية تنطلق من القدس، «ستواجه موجة من العمليات تنطلق من المدينة أيضاً».
وكان «الشاباك» قد حذر في تقرير منذ عام 2008 من تصاعد عدد المقدسيين المشاركين في عمليات المقاومة ضد الاحتلال، إضافة إلى ظاهرة تنفيذ عمليات فردية، وتشكل تنظيمات محلية، والمبادرة إلى تنفيذ عمليات من دون توجيهات من الخارج.
الواقع الذي تعيشه القدس دفع الولايات المتحدة أيضاً إلى الدعوة إلى الحفاظ على الوضع القائم التاريخي في «الحرم القدسي»، إذ دعا وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى ضبط النفس، معرباً عن «قلق الولايات المتحدة من الوضع السائد في القدس». وأكد كيري أن «أي قرار بتغيير الوضع في الحرم يمكن أن يكون خطيراً». وكشف أنه في تواصل دائم مع قادة المنطقة من أجل المساعدة على تهدئة الوضع في المدينة، وأضاف: «أدعو القادة إلى العمل بتعاون من أجل تقليل التوتر ووقف حالات العنف». وكما هو متوقع، لم يفت الوزير الأميركي أن يدين عملية استهداف غليك الذي يحمل أيضاً الجنسية الأميركية.
من جهة أخرى، رأت وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، أن اعتبارات الفلسطينيين من أجل منع عمالهم من السفر في حافلات عامة لدى عودتهم إلى الضفة، والمطالبة بتسيير حافلات منفصلة، هو دليل على أن ما جرى سياسة «أبرتهايد». في ما يتعلق بالاعتبارات الأمنية، رأت ليفني أنه «ما دام الحديث عن اعتبارات أمنية، فإن مهمة وزير الدفاع الاهتمام بأمن المواطنين»، ثم عادت لتؤكد أنها ستعمل من أجل إحباط اتخاذ قرار للفصل بين العرب واليهود في الحافلات.




الهدوء قد لا يطول في غزة

حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، خلال «تكريم» ضباط شاركوا في العدوان الأخير على غزة، من أن «الهدوء الذي تم تحقيقه قد يخترق خلال لحظة»، وأن «الحملة العسكرية (الجرف الصامد) كانت إحدى الحملات المعقدة في السنوات الأخيرة». وأضاف غانتس «إننا نواصل فتح أعيننا على جميع الجبهات، ونحن مستعدون لتنفيذ مهمات الدفاع عن إسرائيل». ومضى يقول: «حماس حفرت وحصّنت غزة، وزادت قدرات نيرانها».
من جهة أخرى، أكد قائد الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، سامي ترجمان، أن إسرائيل لم تشهد «منذ حرب الأيام الستة (عام 67) قتالاً في الجبهة الجنوبية بهذا الحجم. وخلافاً لحرب يوم الغفران، فإننا لم نفاجأ كما» في العدوان على غزة.
(الأخبار)