سيناء | اهتزت الأرض تحت قدمي الشاب، احمد قاسم المقيم في حي البراهمة في رفح حينما علم أن منزله الذي بقي على مدى عامين يعمل لنحو 18 ساعة يوميا لبنائه لا بد من إخلائه خلال 24 ساعة ليجري هدمه وتسويته بالأرض.

تحول حلم أحمد، المتمثل في بيته الذي بناه حجرا فوق آخر حتى أصبح واقعاً على الأرض ينتظر زفافه المقرر الشهر المقبل، إلى كابوس لم يكن يخطر له على بال.
بينما يواصل أهالي الشريط الحدودي مع قطاع غزة في مدينة رفح المصرية منذ ليل الأربعاء إخلاء منازلهم، التي تقع في نطاق المسافة المحاذية للشريط الحدودي، والتي قدرتها السلطات المصرية بنحو 500 متر، بعدما طالبتهم السلطات المصرية بالرحيل عن هذه المنطقة لتحويلها إلى منطقة حدودية عازلة بين مصر وقطاع غزة.
وبحسب مصدر أمني في رفح كشف لـ «الأخبار»، فإنه جرى تدمير قرابة 360 منزلاً خلال يومي الأربعاء والخميس من إجمالي 802 منزل سيخليها سكانها، حيث تفخخ قوات المهندسين المنازل التي يجري اخلاؤها فور خروج سكانها منها.
وما زالت العشرات من الأسر تحزم حاجياتها وأثاثها تمهيداً لإخلاء منازلها وسط حضور أمني من قوات الجيش التي أحاطت بمدينة رفح وانتشرت في كافة أنحاء المنطقة الحدودية التي يجرى إخلاؤها.
ويقوم سكان المنطقة الحدودية بنقل كل ما يمكن نقله من البيوت «أثاث وأبواب وشبابيك»، وسط معاناة شديدة من عدم توافر سيارات نقل تحمل متاعهم، وتضاعفت أجور النقل من 150 جنيهاً لتصل إلى ألف جنيه، وقد فضل كثير من الأسر الانتقال مؤقتاً إلى منازل قريبة في رفح، وآخرون انتقلوا إلى مدينة الشيخ زويد والعريش.
واشتكى الأهالي من رفع أصحاب الشقق في العريش قيمة الإيجار بصورة كبيرة، مستغلين على نحو واضح أوضاع المنقولين من رفح، حيث رُفع سعر إيجار الشقة المكونة من غرفتين وصالة من 500 جنيه إلى ألف جنيه، مما اضطر بعض الأسر الوافدة من رفح إلى استئجار شاليهات على ساحل مدينة العريش للإقامة.
وأكد محافظ شمال سيناء، اللواء عبد الفتاح حرحور في حديث لـ «الأخبار» أن «تعويضات من أخلوا منازلهم على الشريط الحدودي في رفح جاهزة للصرف، وجرى تسليم 58 شيكاً حتى الآن للأسر التي أخلت منازلها»، موضحاً أن «اللجنة المعنية في حالة انعقاد دائم برئاسة اللواء سامح عيسى، السكرتير العام للمحافظة، وتتلقى كل طلبات الأهالي وإثباتات ملكيتهم للبيوت وتقديرها وإتمام عملية صرف التعويضات».

مشاهد موجعة

حميد عبد الله، أحد أصحاب المنازل على الحدود قال لـ «الأخبار»، «وافقنا رغماً عنا على قرار الترحيل، وانتظرنا أن يكون رحلينا إلى مكان آدمي يضمن لنا حياة كريمة، ولكن فوجئنا بأننا نغادر بيوتنا إلى المجهول، حيث لا شقق نقيم فيها ولا تعويضات وصلتنا».
ويضيف عبدالله «قادة الجيش الذين مروا على بيوتنا وأكدوا انهم سيقفون إلى جانبنا حتى نستقر في أماكننا الجديدة، اختفوا فور إخلائنا لبيوتنا، والأجهزة الرسمية في المحافظة تخلت عنا، ولم تقدم إلينا أي مساعدة لنقل أمتعتنا وتوطيننا في شقق لإيواء أطفالنا ونسائنا، بل تركتنا ضحية لسائقي الشاحنات وأصحاب الشقق، الذين تغولوا علينا ويريدون نهش بعض ما تبقى معنا من جنيهات تكفي بالكاد لسد رمقنا».
بدوره يقول إبراهيم الشاعر بنبرة حزينة «نمر بأقسى لحظات حياتنا وأسود أيامنا التي تمر علينا اليوم، ونحن نجمع حاجياتنا لنغادر البيت الذي ولدت فيه أنا، كما ولد فيه أبي وجدي قبل عشرات السنوات، ليصبح كل شيء مر علينا هنا مجرد ذكريات ستظل تلاحقنا ما حيينا».
ويضيف «فكرة الرحيل عن دارنا ومن رفح بصفة عامة لم تخطر لنا على بال، وكنا نكذب كافة التقارير والأخبار التي كانت تأتي تحديداً من وسائل الإعلام الإسرائيلية، لكن للأسف التهجير أصبح واقعا مريرا نعيشه، ولا ندري إلى أين سيكون المستقر الجديد».
المواطن محمود منصور الأخرسي، من سكان الشريط الحدودي، أوضح لـ «الأخبار» أن «المهلة التي حددها القائد العسكري في شمال سيناء لإخلاء المنازل غير كافية مطلقاً، وخاصة أن عدد من سيخلون منازلهم كبير جداً، وما من شقق فارغة للانتقال إليها». وأضاف الأخرسي «إن الجيش لا يعبأ بالمواطنين ولا بأمنهم، وخاصة أسر المواطنين من الفتيات والنساء، لكون القرار صدر دون تدبير منازل ينتقل إليها المواطنون».
وأضاف «الكثير من المواطنين تراوح مساكنهم ما بين60 إلى80 متراً، والتعويض الذي قرره الجيش للمواطنين عن منازلهم هو مبلغ 1200 جنيه عن كل متر مربع من مساحة الأرض المقام عليها المنزل، دون تعويض المبنى، وهو الأمر الذي سيمثل معاناة كبيرة لمن سيخلون بيوتهم، لكون مبلغ التعويض لن يكفي لشراء أرض فقط»، ويتساءل «من أين سيبني هؤلاء المواطنون المعدمون مساكن تؤويهم»؟!
المواطن محمد جميل الذي يقيم في منزل شُيّد منذ عامين بتكلفة وصلت لنحو 180 ألف جنيه في منطقة الشريط الحدودي في رفح، يقول إن «السلطات العسكرية لم تعطِ السكان، ممن تقع منازلهم في هذه المنطقة، سوى مهلة هزيلة قبل أن ننتهي من حزم حقائبنا وحاجياتنا، ووصلت الجرافات العسكرية على الفور، وسوّت منزلنا ومنازل جيراننا بالأرض على ما بداخلها من أمتعة وأثاث».
وينفرط عقد الدموع من عينيه ليصمت ثم يعود جميل ليؤكد لـ «الأخبار» أن «هذا تصرف غير أخلاقي وغير إنساني، إذ كان لا بد من توفير مساكن بديلة ومناسبة للأسر والعائلات الكبيرة، قبل أن يبلغوهم بالإخلاء في غضون 24 ساعة».

لم يكن واجباً التهجير

أما حسين الشاعر احد السكان الذين اخلوا منازلهم في رفح، فيشدد على أن «الأمر لم يكن يستدعي التهجير، وأن الحل يكمن في الاهتمام بالمنطقة وفرض الحماية الأمنية على نحو كامل»، مضيفاً في حديث لـ «الأخبار» أن «الإرهابيين ليسوا في المناطق المأهولة»، مؤكداً أن «أهل سيناء لديهم شعور مسبق بأن الدولة لا تعدهم مصريين، نتيجة عدم الاهتمام بهم».
أما حسام كامل النحال، فقال إن «ما يفعله الجيش في هذه الفترة يسهم في تنفيذ الأجندة الإسرائيلية الأميركية، فهو يوفر لإسرائيل منطقة آمنة وعمقاً استراتيجياً»، موضحاً أن «ذلك من شأنه تشديد الحصار على غزة».
وأضاف: «التهجير ليس حلاً للقضاء على الإرهاب، والحل الوحيد هو المقاومة، وأن ذلك يأتي بتعمير سيناء لا بتهجير أهلها»، متسائلاً: «ما علاقة العمليات الإرهابية بأهل رفح القاطنين على الحدود»؟
ومن ناحيته، قال احمد رميلات من أبناء رفح، إن «التهجير القسري مرفوض من الناحية الإنسانية، وخاصة في الظروف التي لا تمثل خطراً على المواطنين».
وأضاف رميلات «القانون الدولي والدستور الحالي يجرّمان التهجير القسري في نص المادة 63، التي تنص على حظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، وتؤكد أن مخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم».
الساعات تمر سريعاً، والأمر العسكري بالإخلاء لا بد من تنفيذه وسط حالة من الارتباك والهلع تصيب السكان المقرر لهم إخلاء مساكنهم، بينما ينكس أياد الشاعر رأسه ليخبئ عينيه، اللتين تدفقت منهما الدموع، بعدما تسلم قراراً بإخلاء منزله، الذي عاش مغترباً في السعودية قرابة 13 عاماً ليعود إلى رفح ويبنيه، وهو مكون من 4 طوابق، تقيم فيه أسرته ووالده ووالدته إلى جانب اثنين من أشقائه.




واشنطن تدعو القاهرة إلى احترام حقوق المهجّرين

في أول تعليق لوزارة الخارجية الأميركية على قرار مصر إخلاء المنطقة الحدودية مع قطاع غزة من السكان، دعت الوزارة القاهرة إلى الحفاظ على حقوق «المهجرين»، موضحةً أنها تتفهم المخاوف الأمنية لدى مصر.
وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جنيفر ساكي، أن «الحوار لا يزال مستمراً مع مصر بشأن إخلاء المنطقة الحدودية مع غزة من السكان».
واستدركت ساكي أن بلادها تدعو مصر إلى «مراعاة حقوق المهجرين برغم تفهمها للمخاوف الأمنية».
وقالت المتحدثة: «نتفق مع قلقهم بخصوص الأمن في تلك المنطقة، ولكننا نتوقع من حكومة مصر كذلك، ضمان احترام حقوق المهجرين»، مشيرة إلى أنها لا تمتلك معلومات كافية عن المشروع المصري.
(الأناضول)