سيناء | قد لا يكون مذهلا معرفة أن عدد حالات الاعتقالات في سيناء بحق أبناء قبائل شرق العريش ومدينتي الشيخ زويد ورفح وصل إلى خمسة آلاف منذ «أحداث 30 يونيو 2013»، كما جرى إيداع جزء كبير في المعتقلات الشديدة الحراسة، وخاصة وادي النطرون والغربنيات. غالبية المعتقلين كانوا من فئة الشباب، والتهمة «دعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح وتهريب مواد تستخدم في تصنيع الصواريخ» عبر الأنفاق إلى غزة، إضافة إلى تهريب المحروقات وسلع أخرى.

ولا ينكر عدد من مشايخ القبائل أنهم ساهموا في إيصال السلاح ومواد أخرى إلى المقاومة في غزة منذ عام 2007، ولا سيما أن سوق السلاح الإسرائيلية السوداء انقطعت عن المقاومة بعد الانسحاب من القطاع عام 2005. وفي البداية كان يجري «تهريب الأسلحة الرشاشة والألغام ومادة TNT» التي تستخدم في عمليات التصنيع.
هرب شباب القبائل إلى
الجبال بعد الادعاء عليهم
بتهريب السلاح لغزة

ووفق تقدير من تحدث منهم لـ«الأخبار»، فإن شعلة الأحداث في سيناء انطلقت من عنصرين، الأول تهميش الحكومة لشبه الجزيرة ومدنها إلى جانب تقييد اتفاقية «كامب ديفيد» صلاحيات الحكومات هناك، والعنصر الثاني هو منع «مساعدة» المقاومة الفلسطينية. في سبيل ذلك، تعرض أبناء القبائل لملاحقة الأجهزة الأمنية التي داهمت مساكنهم وحرقت مزارعهم ودمرت خزانات المياه، فيما جرت عمليات قتل عمد لعدد آخر، وهو ما عزز انتماء «الناجين» إلى الجماعات الجهادية المسلحة. أيضا هم لا يخفون أنه كلما زاد الضغط الأمني عليهم، كانت أنابيب الغاز الواصل بين مصر وإسرائيل والأردن هدفا محببا، والأمر ينطبق على «إيلات» المحتلة التي صارت مرمى لصواريخهم (الغراد).
ويذكر الشيخ إبراهيم المنيعي، وهو أحد رموز قبيلة السواركة في رفح، أن سياسة تشديد الخناق من الجانب المصري على غزة مرتبطة بصورة أساسية بـ«ملاحقة المقاومة أكثر من الحديث عن محاربة الإرهاب». ورأى، في حديث لـ«الأخبار»، أن الدولة في مصر تعيش تخبطا سياسيا، «ولا تستطيع تحديد أولوياتها الحقيقية التي تنفع البلاد واقتصادها المتدهور»، مقدراً أن القاهرة «تستخدم حصار غزة كورقة لتسوق للعالم أنها قادرة على ضبط الأمن في المنطقة، وهو ما يرضي إسرائيل أولا ثم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي».وصدر خلال عام 2013 قرابة 3500 حكم غيابي على أشخاص من قبائل وعائلات سيناء بدعوى العمل في تجارة الأنفاق وتهريب أسلحة إلى غزة، ما دفع المئات إلى الهرب في الجبال الوعرة وخاصة «جبل الحلال» خشية اعتقالهم، في وقت تستمر قوات الجيش والشرطة فيه بحملات المداهمة اليومية بحثا عنهم. كذلك لم يسلم الأطفال من الملاحقة الأمنية، ومؤخرا ألقي القبض على ثلاثة أطفال جرى إيداعهم في مؤسسة الأحداث، كما أصدرت محكمة جنايات شمال سيناء حكما على طفل يدعى محمد أبو سن (14 عاماً) بالسجن المشدد 25 سنة بتهمة «المشاركة في تهريب السلاح واستخدامه دراجة نارية في استطلاع الطرق لمرور السيارات التي تحمل شحنات السلاح خلال توجهها إلى مناطق (عيون) الأنفاق».
وكان تهريب السلاح يتخذ عدة مسارات، آتياً من ليبيا وجنوب السودان عن طريق الحدود الجنوبية لمصر، إذ يجري تجميعه في منطقة حلون ليعاد نقله عبر قناة السويس إلى مناطق للتخزين شرقي القناة (وسط سيناء)، ثم على أبناء القبائل نقله إلى مناطق قريبة من الأنفاق، ومن هناك يجد طريقه إلى غزة.
ومن المعلوم أن عائلات قبائل شرق العريش ترتبط بعلاقات قرابة ومصاهرة بأسر تقيم في غزة، وكانت تلك العائلات قد قسمت إلى شطرين أحدهما يقيم في رفح المصرية والثاني في رفح الفلسطينية (جنوب غزة)، ومع أن بعض أبناء هذه العائلات اعترفوا بأنهم كانوا يساهمون في نقل السلاح ضمن «واجب وطني أولا»، فإنهم لا يخفون تلقيهم أموالا مقابل عملهم ومخاطرتهم، وأيضاً هناك منهم من دخل إلى غزة (يحمل جنسية مصرية) وشارك في عمليات استشهادية مطلع الانتفاضة الثانية.
تعقيباً على ما تفعله الحكومة المصرية في الوقت الراهن، يقول الناشط السياسي، مسعد أبو فجر، من أبناء قبيلة الأرميلات شرقي العريش، إن القيادة السياسية «توحي بتعرضها لضغوط حتى لا تقدم تنازلات إلى الفلسطينيين، كفتح معبر رفح، لكنها فعليا لم تستطع إيجاد طريقة تضمن منع تدفق الأسلحة». وذكر أبو فجر أن إغلاق معبر رفح أسلوب عقابي ولا علاقة له بتهريب السلاح، كما يرى أن أي تصرف مصري سلبي اتجاه «حماس» سيكون مرحبا به من واشنطن وتل أبيب.
ويلفت الناشط إلى أنه رغم التوتر بين نظام عبد الفتاح السيسي و«حماس»، فإن حكومة الأول سعت إلى تخفيف الغضب الشعبي المتزايد فقررت فتح معبر رفح جزئيا خلال المدة الماضية، كما أرسلت معونات طبية وغذائية إلى القطاع خلال الحرب الأخيرة وبعدها. واستدرك بالقول: « هي سياسة مزدوجة تشبه حقبة الرئيس المخلوع حسني مبارك، إذ تضطلع مصر بدور ديبلوماسي صغير خلال الأزمات، لكن على المدى البعيد يمكن لواشنطن الاعتماد على السيسي كشريك لعزل المقاومة في غزة».
رغم كل ذلك، تكشف مصادر قبلية في رفح أنه بالتزامن مع التضييق الأمني الشديد على الحدود وبدء خطة المنطقة العازلة بعد تدمير معظم الأنفاق، عملت المقاومة بالتعاون مع قبائل مصرية على حفر أنفاق نوعية لا يتجاوز عددها ثلاثة، لكنها ممتدة خارج نطاق رفح وتصل إلى مشارف الشيخ زويد، وجرى خلال المدة الماضية تهريب ما تبقى من شحنات سلاح كانت مخزنة في مستودعات صحراوية دخل جزء منها إلى القطاع خلال الحرب الأخيرة، فيما لم تكشف عن مصير هذه الأنفاق خلال الأسبوع الماضي لما قالت إنه دواعٍ أمنية.