القاهرة ـ سيناء | لم تعد المنطقة العازلة على الحدود المصرية ـ الفلسطينية مجرد مقترح أو توعد، فهي دخلت طور التطبيق الفعلي بعد إخطار من يقطن منطقة الشريط الحدودي من السيناويين، بعمق 300 متر، بضرورة إخلاء مساكنهم على طول الشريط الحدودي مع غزة. ولم تمهل السلطات العسكرية السكان هناك سوى مهلة تنتهي في تمام التاسعة من صباح اليوم، بعدما أبلغتهم قرارها مساء أمس، وإلا ستسوي الجرافات العسكرية منازلهم بالأرض على ما فيها من أثاث.
القرار الذي نقله قائد المنطقة العسكرية لشمال سيناء، اللواء محمود عبد اللطيف، نزل كالصاعقة على رؤوس السكان، فانتشرت حالة من الفوضى بين الأهالي في رفح المصرية، إذ لا توجد فرصة للتردد أو الاعتراض، لأن «القرار عسكري ولا رجعة فيه»، وردّ الفعل على الاحتجاج سيكون «رادعاً وشديداً».
وتأتي مسافة الـ300 متر في خطوة أولى واختبارية للخطة، كما يفيد رئيس مجلس مدينة رفح، اللواء محمد السعدني، الذي أكد لـ«الأخبار» أن المرحلة الأولى في الترحيل ستبدأ من هذه المسافة «وعلى السكان الإخلاء فوراً».
المرحلة الأولى إجبار الأهالي
على النزوح من 300 متر خلال ساعات... ومخطط لخندق مائي
وذكر السعدني أنه سيصرف مبلغ 300 جنيه شهرياً (نحو 44 دولاراً أميركياً)، لمدة 3 شهور، لكل أسرة كبدل إيجار في أي مكان بعيد عن أماكن الهدم، ثم سيصرف مبلغ التعويض لاحقاً للبيوت التي جرى تسجيلها وحصرها.
وعن التعويض اللاحق، أوضح اللواء عبد اللطيف، لـ«الأخبار» أنه سيكون بقيمة بقيمة 1200 جنيه (نحو 179 دولاراً) عن المتر المربع الواحد «بالنسبة للمنازل المقامة بالفعل ولها أوراق ثبوتية»، مشيراً إلى أنه ستجري إزالة المنازل الخالية فوراً في المسافة المذكورة، فيما المرحلة الثانية «نستكمل فيها إزالة مدى 200 متر»، أي في المجمل 500 متر. ورداً على قصر مدة الإخلاء، قال القائد العسكري إن حالة الحظر رفعت منذ أمس حتى صباح اليوم لإتاحة الفرصة للأهالي من أجل تدبر أنفسهم.
وتقول مصادر عسكرية لـ«الأخبار» إن هناك قراراً بإنشاء منطقة عازلة سوف تحفر فيها قناة مائية على الحدود مع القطاع للقضاء على ظاهرة الأنفاق الحدودية «التي تشكل خطراً على الأمن القومي المصري»، وسيجري ذلك فور إخلاء مساحة الـ500 متر. ويشرح اللواء في الجيش المصري، حسام سويلم، لـ«الأخبار»، أن «التجربة في السنوات الماضية أثبتت ضرورة السيطرة الكاملة على الحدود والتصدي لأي محاولات لتدشين أنفاق جديدة»، مشيراً إلى مشروع مستقبلي يقضي بمنطقة عازلة تمتد لعدة كيلو مترات. وبيّن سويلم أن هذا «القرار الحاسم» جاء بعد محاولات لحل مشكلة الأنفاق التي انتشرت خلال السنوات العشر الأخيرة، «ولم تفلح القوات المسلحة في تدميرها كلها» مع أنه أنهي حتى الآن 1845 فتحة نفق، كما أعلن بيان الجيش أمس.
كذلك، يبرر الخبير الأمني، اللواء فؤاد علام، إنشاء المنطقة العازلة وتعزيزها بوسائل دفاع تمنع التسلل عبرها، بأنها ستكون أكثر فائدة من إخلاء المنازل فقط، منبهاً إلى ضرورة الإسراع في تطبيق الخطة «من أجل القضاء على الإرهاب». وقال لـ«الأخبار»: «القوات المسلحة تواجه تعقيدات جغرافية في طبيعة المنطقة من جبال ودروب صحراوية تسمح للإرهابيين بالاختباء والتسلل، وهي جماعات باتت تمتلك وسائل تكنولوجية حديثة، الأمر الذي يجعل الجيش يواجه حرباً منظمة ويحتاج إلى ضرورة تكاتف مؤسسات الدولة اتجاهه».
ورأى علام أن إحاطة الحدود بمجرى مائي بعمق يصل إلى 20 متراً سيكون «حلاً عملياً لمنع دخول أي عناصر من غزة إلى الجانب المصري، بالإضافة إلى قدرة المانع المائي على إفساد الأسلحة»، مؤكداً أن الإدارة الهندسية يمكنها تنفيذ ذلك في وقت قياسي.
وتسود بين الناس حالة استياء شديدة لضيق المدة الممنوحة لهم، فضلاً عن أنه لا وجود لمسكن مناسب في هذه المدة، كما يقولون إنه لا توجد مساكن أو شقق فارغة تحمل الكم الكبير من الأسر (نحو 580 عائلة)، وزيادة الطلب بالطبع ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الإيجار أكثر مما سيصرف لهم. ولم تنفع محاولتهم الاحتجاج أمام مجلس المدينة للقاء قيادة الجيش، لأن قائد المنطقة العسكرية أخبرهم بأن القرار نهائي، ما أدى إلى مشهد تجمعت فيه الأمتعة والأثاث في الشوارع أو مخازن البيوت القريبة. وحتى خيار تسكين الأهالي في العقارات القائمة وفقاً لمشروعات الإسكان الاجتماعي لا يناسب طبيعة الحياة في سيناء، لأنه لا يقبل على الإقامة فيها عادة سوى المغتربون.
في سياق متصل، قال مصدر أمني في الداخلية المصرية إن فرق الانتشار السريع المدربة على «مكافحة الإرهاب» انتشرت في محافظتي الإسماعيلية والسويس «بالإضافة إلى محافظة الشرقية مسقط رأس الرئيس المعزول محمد مرسي» من أجل «ملاحقة جماعات تكفيرية فرّ أعضاؤها من سيناء»، بعد تضييق الخناق عليهم خلال اليوميين الماضيين. وكان وزير الدفاع المصري، صدقي صبحي، قال يوم أمس، إن «القوات المسلحة اتخذت إجراءات سيعلم مداها كل أبناء الشعب المصري خلال الأيام المقبلة»، من دون أن يحدد طبيعتها، لكن العمليات على الأرض كشفت الجزء المهم فيها.