بغداد | عندما أعلنت الولايات المتحدة نيتها تشكيل تحالف دولي عسكري لمساعدة العراق في حربه ضد «داعش»، كان التفاؤل يُخيّم على الأوساط الشعبية والسياسية في العراق. اعتقد الجميع حينها أن الحل أصبح قريباً، وأن الطائرات الغربية ستنهي وجود «داعش»، وأن إدارة الرئيس باراك أوباما هي المُنقذ والمُخلّص للعراقيين من آفة الإرهاب.
حتى الآن لم تُحقق طائرات التحالف الدولي أي ضربة نوعية منذ أن بدأت القصف داخل الأراضي العراقية في 8 آب الماضي، تغيّر على إثرها مجرى الحرب مع «داعش» أو تساهم في إنهاء طريق الإمداد بين مسلحي التنظيم الواصل بين الرقة السورية والموصل العراقية. هو التحالف الذي يُكلّف العراق يومياً أكثر من 7،6 ملايين دولار أميركي بحسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، لم يتمكن حتى اللحظة من إيجاد ثغر تُمكن القوات البرية العراقية من التوغل فيها، واستعادة المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم «داعش».
وفي موقف يؤكد عدم فعالية ضربات التحالف، قام تنظيم «داعش» أخيراً بحشد أكثر من 2000 مسلح من عناصره في مدينة الموصل (شمالي العراق)، مع مئات السيارات، وعدد كبير من الأسلحة، وقاموا باستعراض كبير استمر لساعات، في الوقت الذي تقوم فيه طائرات التحالف الدولي بتنفيذ طلعات جوية يومية شمالي العراق، بيد أنها لم ترَ هذا الحشد الكبير!

ومنذ الثامن من آب حتى الثاني من أيلول الماضيين، كلفت الطلعات الجوية لطائرات التحالف الدولي الحكومة العراقية 260 مليون دولار أميركي، وكان هذا المبلغ دفعة أولى من أجمالي 424 ملايين دولار تكلفة الضربات في العراق وسوريا منذ انطلاقها لحد الآن، على أن تُدفع باقي تكلفة الطائرات خلال الفترة المقبلة، حيث تكلف الساعة الواحدة في طائرات الـF16 ، 24 ألف دولار أميركي.
الضربات الجوية لم تحقق حتى الآن سوى 10% من الخطة التي وضعت



لكن دفع هذه المبالغ يتضارب مع تصريحات وزير الخارجية إبراهيم الجعفري الذي أعلن في وقت سابق أن «العراق لن يدفع أي مبلغ للتحالف الدولي مقابل حملته العسكرية في العراق، وأن تكلفة هذه الحملة ستتحملها الدول المشاركة في التحالف»، وكأن الحكومة العراقية لم تكن تعرف تفاصيل التحالف الذي وقّع في نيويورك.
الصحافي علي السراي، المتابع لنتائج طلعات التحالف الدولي، أوضح أن «الطيران الدولي قام بتأجيل تفوّق «داعش»، وفي ما عدا ذلك، فإن هذا الطيران ومع مرور الوقت بدأ يكتشف صعوبة حسم الأمر، إذ غيّر المسلحون استراتيجيتهم واختلطوا مع المدنيين، وتوقفوا إلى حد ما عن الاستعراضات المكشوفة».
ولفت السراي في حديث إلى «الأخبار» إلى أن «الحاجة إلى التفكير بخطوط جديدة للقتال تظهر بالنسبة إلى العراق وحلفائه في المنطقة والعالم ممن يريدون التخلص من «داعش»، لذلك بدأ الجميع يتحدث عن «رأس حربة» سنّي يقاتل التنظيم الذي «يحتضنه السنّة»، لكن رغم ذلك لن ينهي الطيران هذه الحرب، ولن يحسمها أبداً، وهي التي يمكن أن تستمر لسنوات طويلة». وبناءً عليه، يرى السراي ضرورة وضع «استراتيجية جديدة تتمثل في قوى تتحرك على الأرض، وهذا يتطلب قوى «سنيّة» عليها أن تقرر فعلاً طرد التنظيم».
بدوره، رأى المحلل السياسي، وليد الشيخ، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «مع استمرار تمدد عناصر «داعش» في مختلف المناطق، فإن الطلعات الجوية للتحالف الدولي لم ترتق إلى المستوى المتوقع منها، ولم تخلخل من بنية هذا التنظيم، رغم ادّعاء القيادة العسكرية الأميركية أهمية تلك الضربات، وقد تكون الأخيرة (القيادة الأميركية) تتخذ من ذلك استراتيجية من أجل تكثيف الضغط على (رئيس الحكومة حيدر) العبادي للقبول بالتدخل البري، كأمر واقع نتيجة التراجع العسكري العراقي».
الاعلام الغربي الذي طبّل في أوقات سابقة للتحالف الدولي، التزم الصمت حيال إعلان نتائج ضربات التحالف، التي لم تعلن عنها حتى القوات الحكومية العراقية، لكن إدارة الرئيس الأميركي وقيادات وزارة الدفاع الأميركية يتحدثون فقط عن التكلفة المالية لهذا التحالف.
مسؤولون في واشنطن يعترفون بأن هذه الضربات لم تحقق حتى الآن سوى 10% من الخطة التي وضعت، وهذا مؤشر على أن هناك خطة طويلة لا تقل عن فترة العام الذي تحدث عنها الرئيس باراك أوباما الذي لم يتوافق في تصريحاته مع تصريحات رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الذي وعد بالقضاء على «داعش» خلال فترة قصيرة.
ومنذ بدء الضربات، ركزت طائرات التحالف قصفها على المناطق الحدودية بين مدينة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» وإقليم كردستان العراق شمالي البلاد، ما جعل الشكوك تحوم حول خوفه على مصالحه وليس لمحاربة الإرهاب، خاصة أنه يدرك تماماً أن هناك تجمعات خطرة قريبة من بغداد، لكنه لم يوجه لها أي ضربات جوية.
مصدر قريب من اجتماعات المستشارين الأميركيين في العاصمة بغداد كشف لـ«الأخبار» عن أن «ضربات عسكرية خاطئة قام بها التحالف الدولي نتج منها تدمير أسلحة ومعدات لقوات البشمركة والقوات الاتحادية، تكلفتها أكثر من خمسة ملايين دولار». وكانت قوات الحشد الشعبي أعلنت في وقت سابق أن طائرات التحالف الدولي وجهت لها ضربات جوية، قالت إنها جاءت بالخطأ.