غزة | يسند الشاب المصاب أحمد عبد الله ظهره إلى جدار في انتظار وصول دوره في طابور ممتد ينتظر العرض على الطبيب، وكلهم بحاجة إلى معرفة مدى ملاءمة ذراعه، أو قدمه، المبتورة، لتركيب طرف اصطناعي بديل. الانتظار هنا قاتل، أو بالأحرى مؤلم جداً، وخاصة أن هناك آلافاً أخرى انضمت إلى قائمة المصابين من جراء الحرب الأخيرة على غزة.

وليس البتر وحده السمة الظاهرة، فهناك من يعاني أوجاعاً أخرى مع فقدان الأطراف، فعبد الله نفسه كان يضع يده الوحيدة على جبهته للتخفيف من حجم الألم في رأسه.
ويقدم الخدمة إلى هؤلاء مركز الأطراف الاصطناعية الوحيد في القطاع، ولديه أكثر من 48 حالة في حاجة ماسة إلى تركيب أطراف، لكن أكثرها تعقيداً للذين فقدوا ساقيهما الاثنتين. الشاب أحمد، وهو من سكان حي الشجاعية شرق غزة، ظل من بين الواقفين يؤثر الصمت، لا حفاظاً على هدوء المكان، بل التزاماً بتعليمات الطبيب الذي أشار إلى أن إصابته بشظايا في رأسه قد تعجزه أحياناً عن التعبير باللسان.
بجانبه كان مصابون آخرون ينتظرون الكشف على حالتهم، وبعضهم مبتور القدمين منذ الحرب الثانية (2012)، وجزء ثان جاؤوا يشتكون أوجاعاً بعدما ركّبوا أطرافاً اصطناعية.
محمد رضوان واحد منهم، وجاء لصيانة طرفه الاصطناعي، وهو أصيب في الحرب الأولى (شتاء 2008) داخل مقر عمله في جهاز الشرطة. يحاول رضوان الآن التخلي عن عكاز من أصل اثنين، وذلك باعتماد السير على ساقين إحداهما اصطناعية، وكله أمل في أن تنجح محاولة تركيب الطرف لاستكمال الحياة بعدما عطلته الإصابة عن ممارسة عمله لمدة طويلة.
ووصل مجمل المستفيدين من خدمة تركيب الأطراف الاصطناعية التي يقدمها المركز مجانا إلى نحو 300 جريح من ضحايا العدوان خلال السنوات الخمس الأخيرة، لكن عدداً آخر من مصابي الحرب الأخيرة (الجرف الصامد) لم يتمكنوا من الحضور إلى المركز لأنهم لا يزالون على سرير الشفاء إثر إصابات متعددة علاجها يحمل أولوية كبرى على تركيب الأطراف. كذلك هناك آخرون يسعون إلى الحصول على خدمة طبية أفضل في بلدان أخرى، فيما يعاني جلهم صعوبات السفر أو الحصول على مستلزمات لاحقة للأطراف يمنع دخولها إلى غزة.
داخل قسم الفحص في مركز الأطراف الاصطناعية ينشغل عدد من المتخصصين في التعامل مع الحالات كل حسب احتياجاته، فيجمعون الجرحى داخل صالة التدريب والعلاج الطبيعي حتى يجري تدريبتهم على استخدام الطرف أكان ذراعاً أم ساقاً. وتبدو الحالات متفاوتة في الاستجابة للطرف البديل، إذ يؤكد الطبيب نبيل الشوا أن أكثر الحالات التي يتعذر عليها الاستجابة هي حالات البتر العليا (فوق الركبة)، فضلاً عن تأثير عامل عمر الجريح أو المصاب، ومدى قدرته على تحمل التدريب.
ويشير الشوا إلى أن بعض الحالات قد لا تبدو عليها ملامح استخدام طرف اصطناعي لشدة استجابتها وحيويتها في التعامل معه، مبيناً أن معظم حالات البتر التي وصلت في ما بعد الحرب كانت أسفل الركبة. مع ذلك، يعاني المركز القائم مما يعانيه سكان غزة كالوضع الاقتصادي المتردي، إذ تراجعت وكالة الغوث (الأونروا) عن دعمه خلال الآونة الأخيرة لدواعي العجز المالي لديها، فيما أبقت «الصليب الأحمر» دعمها بالمواد الخام اللازمة لتصنيع الأطراف، علماً بأن المركز يتبع كلياً لبلدية غزة وأسس منذ عام 1976.
وقالت المنسقة الفنية للمركز، نفين الغصين، إنه «رغم كل الصعوبات التي تواجهنا في عملية التمويل وإدخال المواد اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية، فإننا مستمرون في عملنا». وذكرت الغصين، في حديث مع «الأخبار»، أن المركز يأخذ على عاتقه صيانة الطرف من حين إلى آخر، «بالإضافة إلى تبديله وفق حاجة الجريح».




جرحى العدوان يحتجون

طالب عدد من مرضى السرطان وجرحى العدوان الأخير على قطاع غزة، رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ووزير الصحة في حكومة التوافق، جواد عواد، بإقالة رئيسة دائرة العلاج في الخارج، أميرة الهندي، بسبب ما وصفوه «الإهمال» الذي يتعرض له المرضى الراغبين في الحصول على تحويلات مرضية.
واتهم المرضى والجرحى في اعتصام أمام دائرة العلاج في الخارج داخل مدينة غزة، الهندي، بمفاقمة معاناة أهالي القطاع وتأخير تحويلاتهم الطبية لأكثر من عشرين يوماً حتى يمكن التوقيع عليها.
(الأخبار)