تونس | في خطاب موجه إلى مسؤولي حملته الانتخابية في المحافظات التونسية، أكد الرئيس المؤقت والمرشح للانتخابات الرئاسية كمستقل، محمد المنصف المرزوقي، أن المعركة اليوم بين «الثورة» و«أعدائها»!المرزوقي لم ينس أن يضمّن خطابه نقداً قاسياً بحق «الدساترة»، من دون أن يسمّيهم، وبعض الجهات التونسية والإعلام الذي وصفه بالفاسد، مقدماً نفسه كرجل قيّم ضد منظومة «الفساد» و«الاستبداد» التي حكمت البلاد منذ الاستقلال. خطاب المرزوقي لم يلق صدى في الشارع التونسي الذي عانى خلال فترة حكم المرزوقي من ثلاث سنوات أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية.

نظرياً، وأمام تراجع شعبيته وشعبية حزبه المؤتمر من أجل الجمهورية، لم يبق أمام الرئيس المؤقت الذي يتهكم عليه التونسيون منذ ثلاث سنوات وينسجون حوله الحكايات والفضائح حول طريقة إدارته للدولة، وخاصة شبهة تورطه مع قطر وصفقة تسليم آخر رئيس وزراء ليبي في عهد العقيد معمر القذافي، البغدادي المحمودي، واستقبال ميليشيات حماية الثورة والسلفيين المتورطين في اغتيال لطفي نقض وشكري بلعيد ومحمد البراهمي، إلا التمسك بشعارات «الثورة» التي كان أول من خانها حسب الشارع التونسي لأنه ساند الإسلاميين وصمت على الاغتيالات والاعتداء على الناشطين والفنانين، رغم ما يدّعيه من الانتصار لحقوق الإنسان، كما رفع من راتبه الشهري وميزانية رئاسة الجمهورية أكثر مما كان يتمتع به الرئيس السابق بن علي، على الرغم من الضائقة الاقتصادية التي تعانيها البلاد.
حالة الاستياء من المرزوقي أبرزتها كل استطلاعات الرأي التي لم تمنحه إلا نسباً ضئيلة جداً في إمكانية فوزه بالانتخابات الرئاسية.
ولترويج صورة المرزوقي كمناضل، تعمّد مدير حملته الانتخابية، عدنان منصر، إحياء مشروع اتفاقية 18 تشرين الأول التي قادها أحمد نجيب الشابي، زعيم الحزب الجمهوري والمرشح الرئاسي. وقد حاول منصر التأكيد على أن الصراع اليوم الذي تعيشه تونس بين جبهتي 18 تشرين الأول التي تضم أنصار «الثورة» وجبهة ٧ تشرين الثاني (تاريخ صعود بن علي إلى الحكم وإقالة الزعيم بورقيبة) في إشارة إلى الأحزاب المنحدرة من حزب التجمع المنحل الذي كان يحكم البلاد. لكن هذه الدعوة التي قادها منصر نيابة عن المرزوقي اصطدمت برفض حركة النهضة أكبر حلفاء المرزوقي، إذ أعلن مستشار زعيم الحركة، لطفي زيتون، أن تقسيم البلاد بين معسكري ١٨ تشرين الأول و٧ تشرين الثاني مرفوض، وإذا كان لا بد من الحديث عن جبهة ١٨ تشرين الأول فإن زعيمها ليس المرزوقي، بل أحمد نجيب الشابي الذي كان أول من ساند حركة النهضة علناً وتحالف معها، ما سبب له غضب الرئيس الأسبق بن علي.
تصريح زيتون الذي رد بوضوح على المقاربة التي قدمها مدير حملة المرزوقي الانتخابية تزامن مع تصريح لزعيم الحركة، راشد الغنوشي، في مدينة سوسة المعروفة بأنها من معاقل الحركة الدستورية تاريخياً. وقد أكد الغنوشي أن حركته لا تمانع في التحالف مع أنصار النظام السابق وتشكيل حكومة وحدة وطنية وأن الحركة تعارض أي محاولة لتقسيم التونسيين على أساس ديني أو أيديولوجي أو سياسي!
بهذا التصريح، يكون زعيم النهضة قد أنهى حلم المرزوقي في بناء جبهة ١٨ تشرين الأول من جديد التي كانت الأرضيّة التي أسقطت النظام السابق وحرمته من الغطاء الدولي الذي كان يتمتع به. ويعتقد مراقبون للشأن التونسي أن تخلي «النهضة» عن مساندة المرزوقي أصبح تحصيل حاصل. وما دعوة مستشار الغنوشي لطفي زيتون الناخبين التونسين إلى عدم التصويت على القائمات «الثورجية» كما وصفها إلا دليل على تخلي الحركة عن منظومة ١٤ كانون الثاني ٢٠١١ التي جمعتها مع حزبي التكتل من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية، وبالتالي فك الارتباط مع المرزوقي وحزبه والبحث عن تموقع جديد مع الأحزاب الدستورية والوسطية المعتدلة من أجل بناء وحدة وطنية على قاعدة المصالح العليا للدولة، بعيداً عن «الثورة» و«الثورة المضادة» وهو الخطاب الوحيد للرئيس المؤقت.
بعد ثلاث سنوات من الحكم، وأربع سنوات من سقوط النظام السابق، تهاوت شعارات «الثورة» واستعاد أنصار النظام السابق في مختلف المواقع المبادرة بمباركة شعبية، إذ إن قطاعات واسعة من الشارع التونسي بدأت ترفع علناً شعارات تمجيد للنظام السابق.
وفيما يحاول المرزوقي الآن بناء جبهة تحت عنوان «الثورة»، على الرغم من تخلي «النهضة»عن دعمه، لم يبق أمام الرئيس المؤقت إلا الاستنجاد بالآلة الإعلامية القطرية وخاصة قناة الجزيرة. فهل انتهت «الثورة»، أم سينجح المرزوقي بما يلقاه من دعم قطري وتركي عن طريق ضخ الأموال والمساندة الإعلامية في «إنقاذ» النموذج التونسي وترويجه في العالم العربي؟
الإجابة ستكون بداية من ٢٦ تشرين الأول!