ريف دمشق | في كانون الأول من عام 2013، وفي إطار تقدمه السريع في عدرا العمالية، استطاع «جيش الإسلام» خطف ما يزيد على خمسة آلاف مدني من سكان البلدة، بالتوازي مع المجزرة الدامية التي شهدتها المنطقة في الشهر نفسه. قصصٌ كثيرة حول عملية الاقتحام انتقلت بالتواتر على ألسنة الناس، من دون أي إشارة تفيد إلى وضع المخطوفين أو مكانهم أو حتى مطالبهم. شكَّل هذا الوضع موسماً جيداً لـ«سماسرة المصالحة» الذين لجأ أهالي المخطوفين إليهم من دون أية نتيجة تذكر. وبعد خمسة أشهر على عملية الاقتحام، نشر الخاطفون مقطعاً مصوراً في شهر نيسان من العام الجاري، يظهر فيه عددٌ من المخطوفين الشباب والرجال. يومها، أصبحت مطالب الخاطفين واضحة للمرة الأولى، حيث وجَّه المخطوفون رسائل إلى ذويهم «من أجل الضغط على النظام لإطلاق سراح أسرى الغوطة من سجونه، وفك الحصار وإيقاف غارات سلاح الجو السوري على الغوطة».
وفي المقطع المذكور، لم يكشف الخاطفون عن هويتهم، واكتفوا بنشر حساب «سكايب» للتواصل بهدف التفاوض. كذلك استخدموا وسائل للضغط عن طريق إجبار المخطوفين على توجيه رسائل إلى البابا فرنسيس (بابا الفاتيكان) والكنيسة في سوريا، والزعيم الروحي للطائفة الإسماعيلية آغا خان، وشيوخ الطائفة العلوية، داعين إياهم إلى الضغط على النظام من أجل تنفيذ مطالب الخاطفين.
قام أهالي المخطوفين بسلسلة مبادرات للتفاوض
مع المسلحين

وبعد شهر على ظهور الفيديو، انطلقت مبادرة جديدة لإطلاق سراح الأسرى في أيار 2014. هذه المرة كانت المعادلة واضحة: «1500 معتقل من الغوطة في مقابل 1500 عائلة من المخطوفين»، ليصل العدد التقريبي للأفراد الذين سيتم الإفراج عنهم إلى 5000 مدني. وعلى الرغم من تطمينات وزارة المصالحة الوطنية، إلا إن الصفقة قد توقفت من دون ذكر أية أسباب لإيقافها، عدا عن بعض التسريبات التي قالت إن الخاطفين اشترطوا الإفراج عن النساء فقط، من دون أي تأكيد لهذه الفرضية.
في الشهر الثامن، نشر الخاطفون مقطعاً مسجلاً آخر، تظهر من خلاله خمس نساء مخطوفات شرحن سوء الأوضاع في الغوطة، وأكدت النسوة اللواتي أجبرن على ارتداء الحجاب هوية خاطفهم (جيش الإسلام) لأول مرة، حيث طالبن بإعادة المفاوضات لتحريرهن. وبعد نشر الفيديو، نظَّم أهالي المخطوفين سلسلة من التحركات والاعتصامات (كالاعتصام في 8/8/2014 في ساحة الأمويين في دمشق)، وقاموا بمبادرات فردية للتفاوض مع المسلحين، غير أن مصادر من داخل وزارة المصالحة الوطنية أكدت لـ«الأخبار» أن «كل هذه الجهود الفردية باءت بالفشل، والسبب أن المسلحين يدركون تماماً أهمية المفاوضات مع الحكومة السورية، بهدف ابتزازها». كذلك أجرت لجنة المصالحة الوطنية في مجلس الشعب السوري في الشهر ذاته اتصالات عدة مع الجمعيات المدنية في دوما، من أجل التفاوض مع «جيش الإسلام»، إلا أن هذه الاتصالات لم تكلل بالنجاح أيضاً، ولم تتبين ظروف توقفها.
من عدرا العمالية إلى جبهتين
على وقع الانكسار العسكري الذي أصاب مقاتلي «جيش الإسلام» في عدرا العمالية، وقبيل انسحابهم منها منذ حوالى شهر، نقل مقاتلو التنظيم المخطوفين إلى خارج البلدة، إذ تؤكد مصادر عسكرية مطلعة لـ«الأخبار» أن المسلحين كانوا قد عمدوا إلى نقل المخطوفين إلى جبهتين: الأولى هي جبهة دوما، «التي جرى نقل النساء إليها لما فيها من هدوء نسبي». أما الثانية فهي جبهة وسط جوبروشماليه «حيث يجبر مقاتلو المعارضة الرجال المخطوفين على الانخراط في عمليات حفر الأنفاق والتجهيزات اللوجستية في البلدة».
غير أن التساؤل عن وضع المخطوفين، لا سيما بعد الأنباء التي تحدثت عن انسحاب «جيش الإسلام» من جوبر، لا يمكن الجزم بالإجابة عنه. إلا أن المصادر العسكرية ذاتها ترجح أن مقاتلي التنظيم الذين انسحبوا من جوبر لم يتمكنوا من سحب الشبان والرجال المخطوفين معهم لصعوبة حركتهم وتغطية انسحابهم: «ما يعزز فرضية وجودهم في جوبر وفي الغالب تحت سيطرة الفصائل المختلفة الموجودة في البلدة، أو ربما تحت سيطرة مسلحين من جيش الإسلام لم ينسحبوا من البلدة».