تونس | تتصاعد مخاوف الإسلاميين في تونس، ممثلين في حركة النهضة وحليفها شبه العلماني حزب رئيس تونس المؤقت، المؤتمر من أجل الجمهورية، من فقدان أصوات كثيرة، جنوها في الانتخابات الماضية بسبب عودة عدد من وزراء الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ليجعلوها عنوانا للحملة الانتخابية التشريعية لكل منهما، ولترفع قواعد الحزبين شعارات التصدي لعودة ما تسميه النظام البائد.

وأثارت عودة ثلاثة وزراء من حكومات الرئيس المخلوع الى المشهد السياسي الكثير من الجدل ضمن الساحة السياسية التونسية وفي صلب الحزبين المذكورين. فبالنسبة لحركة النهضة التي ما زالت إطاراتها الوسطى تبني خطابها على التصدي لعودة النظام القديم، فإنها تعيش تناقضا داخلياً بسبب إعلان رئيسها، راشد الغنوشي، مؤخراً استعداده للانضمام الى حكومة تضم خصمه السياسي الأول حركة نداء تونس ووزراء بن علي، الأمر الذي فاجأ الجميع وأولهم قواعد الحزب الإسلامي المتلقية لأوامر من ذات القيادة بصياغة خطاب معاد للبورقيبيين (نسبة الى الزعيم الحبيب بورقيبة) سواء عملوا مع الرئيس السابق أو لا.
يرى محللون سياسيون أن عودة وزراء العهد السابق ستُعسّر الأمور

فعبد الرحيم الزواري، وزير النقل، ومنذر الزنايدي، وزير الصحة ثم التجارة، وكمال مرجان، وزير الخارجية ثم الدفاع، قد أعلنوا عودتهم سريعا لممارسة النشاط السياسي بعد غربة لسنوات ثلاث.
وقد اعتذر وزير الخارجية السابق رئيس حزب المبادرة الوطنية الدستورية كمال مرجان، للشعب التونسي، قبل أن يتقدم بترشحه، فيما سارع منذر الزنايدي وقبل عودته الى تونس من منفاه الاختياري الباريسي الى الالتقاء براشد الغنوشي وبابنه معاذ الغنوشي في العاصمة الفرنسية لترتيب أمر عودته الى البلد ومن ثم الترشح لرئاسة تونس.
لقاء الزنايدي والغنوشي أثار جدلا كبيرا لدى المتابعين للشأن السياسي في تونس وأطلق العنان للتأويلات والاستنتاجات بأن ترشح وزير الصحة السابق هدفه التقليل من حظوظ عدو النهضة اللدود الباجي قائد السبسي في الفوز بكرسي قرطاج، وخاصة أن حركة النهضة، وبحسب تسريب أحد قادتها لـ«الأخبار»، قد قررت دعم أي منافس لقائد السبسي في الدور الثاني، وذلك في صورة عدم فوز مرشحها السري الدكتور حمودة بن سلامة، الذي قدم ترشحه على أساس أنه مستقل رغم أنه قد عمل مع بن علي في التسعينات، وذلك مقابل الحصول على الدعم في الانتخابات التشريعية المقبلة، التي أبرزت نتائج الاحصائيات أن الحزب الإسلامي لن يحظى فيها مجددا بالأغلبية، ولن يتجاوز نسبة 24 في المئة في البرلمان المقبل، مما قد يجعله يلجأ إلى المقايضة.
أما عبد الرحيم الزواري، مرشح الحركة الدستورية، الذي يعد أكثر الدستوريين تعرضا لمهاجمة حركة النهضة بعد الباجي قائد السبسي، فقد قال لـ«الأخبار» أن خروجه من السجن لم يكن بموجب إحدى الصفقات، بل إن القضاء أنصفه، وإنه لا يبحث عن نيل رضى اي طرف غير الشعب التونسي، وذكر ان اتهامات قد وجهت إلى الوزيرين السابقين الآخرين بالسعي لنيل رضى حركة النهضة، سواء عبر صفقة باريس بين الزنايدي والغنوشي أو عبر تزكية نواب حزب المبادرة الدستورية، التي يرأسها كمال مرجان، في ربيع 2013 لحكومة علي العريض، الأمين العام الحالي لحركة النهضة، التي صرح رئيسها الغنوشي حينها «ما جزاء الإحسان إلا الإحسان»، وكان ذلك أحد أسباب سقوط قانون العزل السياسي، إضافة الى نضال المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
وقد دعت القواعد الدستورية، التي تعد مليونين تقريبا، وهو عدد منخرطي التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم سابقا، المرشحين الدستوريين للرئاسة، وهم الوزراء المذكورون، إضافة الى الباجي قائد السبسي، للتنازل لفائدة مرشح واحد، ودعا الزواري في هذا الصدد الى وحدة وطنية فاعلة وحقيقية في مواجهة الاخطار المحدقة بالبلاد، التي يعد الإرهاب أبرزها.
وسقط قانون العزل السياسي أو قانون تحصين الثورة كما كان يسمى في الربيع الماضي، الذي وقع استعماله من طرف حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية كأداة ضغط في مناسبات عديدة على الخصوم السياسيين، او كعنصر مقايضة لتمرير العديد من القوانين والمواقف. ويرى متابعون أن تخلي الحزبين، وخاصة النهضة، عن هذا القانون يعود الى رغبتها في تدارك تراجع شعبيتها وكسب أصوات جزء من المنخرطين في الحزب الحاكم السابق، التجمع الدستوري الديموقراطي، الذي جرى حله في ربيع 2011.
وستشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة تنافسا شديدا بين أهم المرشحين وهم المنصف المرزوقي، الرئيس المؤقت الحالي، والباجي قائد السبسي، عن نداء تونس، وكمال مرجان، عن المبادرة الوطنية الدستورية، ومصطفى كمال النابلي، كمستقل، وأحمد نجيب الشابي، عن الحزب الجمهوري، وعبد الرحيم الزواري، عن الحركة الدستورية، ومنذر الزنايدي، كمستقل أيضا، وحمه الهمامي عن التحالف اليساري المعروف بالجبهة الشعبية.
ويرى محللون سياسيون أن عودة وزراء العهد السابق ستُعسّر الأمور على المتنافسين، وخاصة على مستوى الخطاب السياسي الذي سيجري تبنيه في الحملتين الانتخابيتين التشريعية والرئاسية، نظرا إلى تدهور الوضع الأمني وتصاعد خطر الارهاب في تونس وانهيار الاقتصاد والطاقة الشرائية للتونسيين، واستفحال البطالة في صفوف الشباب وانتشار الفساد الاداري بعد انتفاضة 2011، بحسب آخر تقرير للبنك الدولي صدر في أيلول 2014، وجاء فيه أن تونس شهدت بعد «الثورة» تفاقما للفساد، وأنه لولا ممارسة الأساليب نفسها التي كان يتبعها نظام بن علي، لكانت تونس قوة اقتصادية مهمة في المنطقة، بما أنه تتوافر فيها جميع الشروط لتحقيق هذا الهدف.