مَرّ شهران على بدء الضربات الأميركية في العراق وأسبوعان على توسيعها نحو سوريا، لكن «داعش» لا يزال فاعلاً في العراق كما في سوريا. «داعش» يتقدم نحو بغداد ويحتلّ مناطق سورية حدودية مهمة مقابل تنفيذ «التحالف» ضربات جوية «تشتدّ» أحياناً من دون أن تعيق هذا التقدّم الجغرافي المحدد والظاهر على الرادارات وآلات الرصد كلّها.
حتى الآن يجمع معظم المراقبين الأميركيين على أن «التحالف» فشل في تحقيق أهدافه المعلنة، أي «إضعاف داعش وتدميره». فلماذا يفشل تحالف أميركي ـ خليجي ـ تركي متفوّق بالعتاد والعديد على عدوّه؟ سأل بعض المحللين الصحافيين، فيما حاولت إدارة الرئيس باراك أوباما الدفاع عن أدائها.
وحول هذا الأداء، وزّع البنتاغون أول من أمس خريطة تظهر عدد الضربات الجوية الأميركية «ضد داعش» والمناطق المستهدفة في العراق وسوريا بين ٨ آب و٧ تشرين الأول الماضي. ٩٨ ضربة حول سدّ الموصل، هي أكبر عدد ضربات مذكور على الخريطة، تليه أربيل ٤١ ضربة وبغداد كما سنجار ٢٦ ضربة. لكن هذا العدد ينخفض بشكل ملحوظ في سوريا، إذ تسجّل الضربات على «كوباني» النسبة الأكبر، أي ١٨ ضربة، علماً بأن تلك الضربات لم تبدأ إلا منذ الثلاثاء الماضي رغم محاصرة «داعش» للمنطقة منذ فترة طويلة. «الضربات الأميركية حول كوباني جاءت متأخرة وقليلة، وهي لن تكفي، مع بدء تنفيذها الثلاثاء الماضي، لصدّ آلاف المقاتلين المسلّحين بالدبابات والعتاد»، رأى محللون عسكريون. العدد الثاني اللافت، كما تظهر خريطة البنتاغون، يعود للضربات التي طالت مجموعة «خرسان»، «التهديد الأكبر» للولايات المتحدة في سوريا كما أعلنت الإدارة في وقت سابق. «خورسان» استُهدفت بـ٨ ضربات جوية في حلب استخدم فيها ٤٧ صاروخ «توماهوك».
في المحصّلة بلغت الضربات خلال شهرين ٢٥١ ضربة في العراق و88 ضربة في سوريا.
لكن، رغم الدوائر الحمراء الكبيرة والبارزة التي رسمها البنتاغون على خريطته، بقيت النتيجة على الأرض خجولة ولا تتطابق مع الحماسة المعلنة التي انطلقت بها واشنطن مع «الحلفاء» للقضاء على «داعش» منذ أسابيع. وفي محاولة لاكتشاف الأسباب، ردّ المحللون الأميركيون الفشل الميداني الى «قيود أوباما» والتعقيدات الخليحية ـ الخليجية ومناكفات الدول العربية السياسية، إضافة الى ازدواجية تركية معرقِلة.

«فييتنام أوباما»

في اتهام أوباما، قال البعض إنّه وضع قيوداً كثيرة في الحملة العسكرية التي أطلقها، ما أثّر في النتيجة التي أراد العسكريون تحقيقها، وخصوصاً في ما يتعلق برفضه نشر قوات على الأرض لمساعدة الطيّارين في تحديد الأهداف. عدد كبير من الصحافيين والمحللين الأميركيين بدأوا بالتلويح بضرورة إرسال جنود إلى الأرض «كشرط أساسي من شروط نجاح الحملة». فهل تكون سوريا فييتنام أوباما؟ سأل بعض الكتّاب، لافتين الى أن الرئيس الحالي كما كان ليندون جونسون قبل ٥٠ عاماً، يبدو «متشائماً» بشأن مجريات الأحداث ونتائجها. فأوباما في سوريا، حسب المقال، كما جونسون في فيتنام، يدرك أن «لا أمل في الأفق»، لكن هناك «عوامل ضاغطة عديدة تدفعه إلى الاستمرار في القتال». «الرئيس غير قادر على التحكّم في مجريات الأحداث عندما يأمر بتدخّل عسكري»، أشار المقال، وختم بالتذكير بما قاله جونسون لأحد مستشاريه عام ١٩٦٤: «لا أظنّ أن فيتنام تستحق القتال، ولا أظنّ أنه باستطاعتنا الخروج من هناك».

ماذا عن دول الخليج وتركيا؟

أداء «المتحالفين» يؤكد يوماً بعد يوم أنهم «متحالفون رغماً عنهم»: تضارب في الأجندات السياسية والأهداف والنيّات، تخبّط بين المعتقدات وإرضاء الداخل والالتزامات الخارجية، تنافس على قيادة الدفّة السنيّة في المنطقة والمضي في إشعال الحرب السنية ـ الشيعية... تلك هي حالة «المتحالفين» الخليجيين كما يراها محللون غربيون.
أما تركيا، فهي ملكة «التناقضات» بين قوى التحالف. بعض المقالات لفتت إلى أنّ ما يطالب به رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أوباما حتى الآن يهدف الى ضرب نظام الرئيس بشار الأسد أكثر من ضرب «داعش». لذا، رأى المحللون أن «من الضروري أن تتوصل واشنطن وأنقرة الى اتفاق يُدخل تركيا، بجيشها القوي، جدّياً في المعركة ضد داعش، وهذا الاتفاق يجب أن يضع أيضاً استراتيجية لكيفية التعاطي مع نظام الأسد».
وبعيداً عن الخريطة السياسية المعقّدة، نشرت صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية خريطة أخرى من دراسة إحصائية حول عدد المقاتلين في تنظيم «داعش» وفي قوى «التحالف». نتائج الدراسة التي قامت بها شركة «ستاتيستا» للصحيفة البريطانية، تظهر أن هناك «عدم تكافؤ واضح وكبير بين أعداد المقاتلين لدى الطرفين، إذ يفوق عدد مقاتلي التحالف مقاتلي داعش بنسبة ٢٠ مقابل واحد». الدراسة قدّرت عدد مقاتلي «داعش» في العراق وسوريا بين ١٠ آلاف و٣١ ألف مقاتل، مقابل قوات «البشمركة» وعددهم حوالى ٣٧٥ ألفاً والجيش العراقي بحوالى ٢٧٠ ألف عنصر ناشط. الدراسة فصّلت أيضاً أنواع السلاح المتطور المستخدم من قبل «التحالف»، فيما أشارت الصحيفة الى امتلاك «داعش» بعض السلاح المدفعي والدبابات وسلاحاً خفيفاً، استولى عليها من مخازن الجيش السوري والعراقي. واستناداً الى نتائج الدراسة تلك والنتائج الملموسة على الأرض، خصوصاً في «كوباني» أخيراً، سألت «ذي إندبندنت» كيف يجب أن يتعامل التحالف مع تهديد «داعش» إذاً؟
هناك من يسوّق منذ فترة لوجوب اللجوء الى شركات قتال خاصة مثل «بلاك ووتر» وغيرها «كمَخرج لإنهاء تردد أوباما حول إرسال قوات عسكرية» الى سوريا. فهل يتكرر سيناريو «الفظائع» التي ارتكبتها «بلاك ووتر» في العراق على الأراضي السورية؟