في موازاة دخول وفد الحكومة الفلسطينية إلى قطاع غزة والحديث عن خطة إعماره، لا يمكن إلا التذكير بسياسة التدمير التي اعتمدها جيش العدو، خلال عدوانه الأخير على القطاع. لم يكن ذلك التدمير الواسع نتيجة ضرورات عملانية استوجبتها مجريات المواجهة من الناحية العسكرية، بل ترجمة لخطة أملاها المستوى السياسي بالتشاور مع القيادة العسكرية، كجزء من سياسة ترمي إلى تدفيع سكان غزة ثمناً مؤلماً، لاحتضانهم خيار المقاومة.

ومن الواضح أنه منذ اتخاذ القرار بهذا المستوى من التدمير، كانت حاضرة لدى صانع القرار في تل أبيب، التداعيات الإنسانية والاجتماعية والسياسية لنتائجه، منذ اليوم الذي يلي وقف النار. هذا الواقع الذي أنتجته صواريخ العدو، بات معطى من الصعب تجاوزه لدى كل الأطراف، ويمكن تثميره في اتجاهات متعدّدة.
من جهة أخرى، كان هذا الدمار، ولا يزال، منبعاً للرهان على إمكان ردع فصائل المقاومة وجمهورها عن أي محاولة توجيه ضربات إلى الداخل الإسرائيلي ضمن مسار المقاومة في فلسطين، أو حتى رداً على اعتداءات إسرائيلية محدّدة.
في السياق، بات الدمار الكبير عبئاً ومصدر ضغط إضافي، يرمي إلى إفهام الفلسطيني أن كلفة أي محاولة لتغيير الواقع المأساوي الذي يعانيه القطاع، ستكون أكبر من نتائجه الإيجابية المفترضة.
في ما يتعلق بخطة الإعمار، بدا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير وبعده أن هناك حرصاً على منع فصائل المقاومة من تحقيق إنجازات سياسية جوهرية. وامتدادا لهذه الضابطة، حرصت الأطراف الإقليمية المؤثرة على أن تكون السلطة الفلسطينية البوابة الحصرية لإعادة إعمار القطاع، وفق إيقاع ومعايير محددة ومدروسة. ومهما كانت العناوين والمبررات لهذا الموقف، فإنها تأتي امتداداً للسياسة الإقليمية التي تستهدف تطويق فصائل المقاومة في غزة.
مقابل ذلك، يأتي قرار وخطة إعادة الإعمار كجزء من سياسة عامة ترمي إلى الحؤول دون الحشر التام لسكان غزة ومقاومتها، بما يدفعها للعودة إلى لغة التلويح بالصواريخ كجزء من الضغوط لتحريك هذا المسار. وانطلاقاً من هذا التصور، ارتفعت في الأيام الأخيرة أصوات إسرائيلية، على المستويين السياسي والعسكري، تدعو إلى اعتماد خطة إعمار تستغرق عدة سنوات، حتى تتحول عملية الإعمار إلى ورقة ابتزاز يجري التلويح بإيقافها، كلما اقتضت التطورات ذلك.
في هذه الأجواء، دعت الخارجية الأميركية إسرائيل، إلى الإسهام في إعمار غزة، وتضمنت هذه الدعوة رسالتين، الأولى لإسرائيل والثانية لمصر التي لم توجه دعوة إلى إسرائيل للمشاركة في مؤتمر الإعمار، الذي يعقد الأحد المقبل.
الدعوة التي أتت على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جين ساكي، لفتت إلى أن «الولايات المتحدة تعتقد بأنه يتعيّن على إسرائيل أن تؤدي دوراً في إعمار قطاع غزة». وقالت ساكي: «سنأخذ في الحسبان احتياجات إسرائيل الأمنية... هم ساهموا في السابق في إدخال مواد للقطاع، ونأمل أن يقوموا بذلك اليوم أيضاً».
وفسرت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الدعوة بأنها «ضغط على إسرائيل»، مشيرة إلى أنها تأتي في ظل ما نشر مؤخراً حول عدم نية إسرائيل المشاركة في المؤتمر الدولي لإعمار القطاع.
وأكد موقع «والا» العبري أن مصر أرسلت الدعوات إلى الدول المشاركة، لكن إسرائيل لم تتلقَ أي دعوة رغم أنها كانت تُدعى في السابق دائما إلى مؤتمرات الدول المانحة، ورغم أنها شاركت قبل أسبوعين في اجتماع للدول المانحة في نيويورك وأرسلت وفداً برئاسة نائب وزير الخارجية تساحي هنغبي.
وأضاف الموقع العبري، أن بيان الخارجية الذي يحضّ إسرائيل على المشاركة في الإعمار، يأتي في ظل توتّر في العلاقات بين الولايات المتحدة وتل أبيب، "وبعد أيام على إدانة واشنطن ردّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على الموقف الأميركي المتعلق بالبناء الاستيطاني في القدس الشرقية".
أما عن دخول وفد الحكومة الفلسطينية من رام الله إلى قطاع غزة عبر معبر إيريز، فقد ذكرت صحيفة «هآرتس»، أن أعضاء الحكومة، وخاصة رامي الحمدالله، دخلوا القطاع بعدما منحتهم إسرائيل التصاريح بذلك، لكن «هآرتس» لفتت إلى أنه بعد تأليف حكومة الوفاق الفلسطينية، أعلنت إسرائيل أنها لن تسمح لوزراء تلك الحكومة بدخول غزة عبر "ايريز". مع هذا، فقد سمحت بدخولهم أمس، "لأن المهمة المركزية لتلك الحكومة هي إعادة إعمارغزة فقط".
وأضافت الصحيفة أن المجتمع الدولي والدول المانحة، وخاصة الأوروبية والأمم المتحدة وأميركا، أعلنت بوضوح أن حكومة الوفاق هي المسؤولة عن إعادة الإعمار فقط، "لذلك لم يكن أمام إسرائيل أي ذريعة أو مبرر إلا الموافقة على دخول أعضاء تلك الحكومة إلى القطاع".