غزة |استقبلت غزة التي لا يزال جزء كبير من أهلها في العراء رئيس حكومة التوافق الفلسطينية، رامي الحمدالله، مع وزراء الحكومة الذين قدموا من معبر بيت حانون «إيريز»، على الحدود الشمالية للقطاع مع الأراضي المحتلة. حشود كبيرة انتظرت الحمدالله واستقبلته بحفاوة لم تخل من بعض التساؤل عن جدوى الانقسام الداخلي لثماني سنوات ما دام المصير أن نكون «معا لإنهاء الاحتلال»، كما قال الحمدالله نفسه. حفاوةٌ لم تخل من مقاربة دخول الحكومة الفلسطينية بعد التنسيق مع الاحتلال، فضلا عن ضباط التنسيق الإسرائيليين خلال دخولهم المعبر.
أيضا لم تخل المقاربة من الصور التي جمعت «شرطة حماس» ذوي اللحى بقوة صغيرة من حرس الرئيس رافقت الحمدالله وكانت مميزة بشكلها ولباسها، فيما حاول متحدثون من «حماس» تذكير الرجل بأن الانتشار الأمني الذي أمّن دخول وزراء الحكومة أشرفت عليه قوات لم تستلم رواتبها منذ ستة أشهر، كما حاول بعض أصحاب القضايا المعلقة، مثل المفرغين في السلطة عام 2005، تقديم لافتات احتجاجية تطالب رئيس الحكومة بالنظر في قضيتهم، لكن ذلك لم يطغ على الترحيب الشعبي الكبير، وخاصة داخل بلدة بيت حانون (شمال) وحي الشجاعية (شرق)، وهما حيّان طاولهما دمار كبير خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وتعمد الحمدالله زيارتهما.
بعد تلك الجولة، عقدت «الوفاق» اجتماعها الأول في منزل رئيس السلطة محمود عباس في غزة الذي تحول، قبل يوم من الزيارة، إلى مقر مؤقت لرئاسة الوزراء، ولم يدم الاجتماع سوى ساعتين، ثم انتقل الوزراء إلى منزل رئيس الوزراء السابق في حكومة غزة، إسماعيل هنية، لملاقاته وعدد من أعضاء المكتب السياسي لـ«حماس»، إضافة إلى عدد من قيادات الأجهزة الأمنية في القطاع، كما كان في استقبال الحمدالله خلال بداية الزيارة وفد قيادي من حركة «الجهاد الإسلامي» قدم مشاركته على أنها «ترحيب ودعم لخطوات تعزيز الوحدة وإنهاء الانقسام».
الاجتماع «الشكلي» استهله الحمدالله بتأكيد أن «الصورة الكاملة عن دمار غزة» وصلت إلى طاولته، واعدا بتحقيق عدة بنود عاجلة، دعته «حماس» أيضا إلى سرعة تنفيذها، لكنه رهن السرعة بسرعة الحصول على التمويل اللازم.
نائب رئيس الوزراء، محمد مصطفى، وضع هذه الزيارة في إطارٍ «سيطمئن دول المانحين إلى سير عملية الإعمار» على ما يرام. وكشف، في حديث مع «الأخبار»، أن سلسلة الاجتماعات المتتالية في غزة والمقرة ضمن جدول الزيارة هدفها أن «تواصل الحكومة عملها في القطاع بصورة كلية حتى يتسنى لها إعادة الإعمار، إضافة إلى العمل على تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات، وتنفيذ ما أوكل للحكومة من مهمات وطنية».
وبشأن الاستعدادات الخاصة بمؤتمر الإعمار الذي صار على الأبواب، قال مصطفى إن حكومته شرعت في وضع خطة لاحتياجات القطاع «لعرضها على الدول التي ستجتمع في القاهرة الأحد»، لافتا إلى أنهم سيغادرون من القطاع إلى القاهرة عبر معبر رفح البري، «كما سيشارك وفد كبير من الحكومة برفقة الرئيس محمود عباس وشخصيات وطنية واقتصادية». كذلك، ذكر أنه جرى الاتفاق على تسهيل إدخال مواد البناء إلى غزة، مؤكدا أن «الوفاق» أخذت تعهدات عبر الأمم المتحدة مفادها أن إسرائيل لن تمنع دخول المواد المطلوبة.
جزء من رواتب «غزة» حوّلته الدوحة إلى نيويورك وسيصرف نهاية الشهر
ومن ضمن ما كشفه الوزراء والمرافقون للحكومة أن هذه الزيارة لن تكون الأخيرة، «فهناك عدة اجتماعات أخرى بعد مؤتمر الإعمار»، كما أكد مستشار عباس الخاص كمال الشرافي. أما حسين الشيخ، فقال إن مواد الإعمار ستدخل غزة بداية الأسبوع المقبل، مؤكدا لـ«الأخبار» أن الحكومة ستستلم العمل على معبري كرم أبو سالم وبيت حانون حتى يجري فتح المعابر بصورة رسمية نهاية الأسبوع المقبل.
وزير العدل، سليم السقا، وهو من غزة، كشف أن تحويل أموال رواتب الموظفين المدنيين التابعين لحكومة غزة السابقة جرى من الدوحة إلى نيويورك، قائلا إنهم بانتظار إجراءات لترتيب نقلها إلى البنوك الفلسطينية وصرفها للموظفين قبل نهاية الشهر الجاري. وأضاف السقا، في تصريحات صحفية، إنه جرى تحويل 30 مليون دولار من قطر، «وأيضا يجري العمل على صرف أموال لمن تضررت بيوتهم جزئيًا، بجانب ضرورة إعادة اعمار المنازل المتضررة جزئيًا في وقت قريب».
من جهة «حماس»، عبّر هنية عن اعتقاده أن هذه الزيارة «فاتحة أمل لمستقبل جديد»، مشددا، خلال استقباله الحمدالله، على ضرورة البدء في تنفيذ مهمات الحكومة «وفي مقدمتها قضيتا الرواتب والإعمار».
المطالبة نفسها حملها النائب الثاني لرئيس المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، الذي عدّد البنود اللازمة حتى تنفذ الحكومة ما تعهدته، ومنها صرف مكافآت فورية لجميع العاملين بلا تمييز، «وأن تنتهي اللجنة الادارية والقانونية من أعمالها خلال ثلاثة أشهر، وإرسال موظفي المعابر لمباشرة أعمالهم»، كما دعا إلى تأليف لجنة متابعة من الفصائل، «وتنفيذ ما تفاهمات القاهرة بلا تأخير خاصة اجتماع المجلس التشريعي، ولجنة المنظمة باعتبارها الإطار القيادي المؤقت، ودراسة كيفية إدماج 3000 عنصر ضمن الأجهزة القائمة».
تعقيبا على المشهد، حذر المحلل السياسي، طلال عوكل، من أن تبقى هذه الزيارة حبيسة المظاهر «دون أن تجد طريقها لتغيير الوقائع في غزة». ورأى، في حديث مع «الأخبار»، أن الحكومة على عاتقها مهمات جسيمة، «وعليها أن تكسب ثقة الغزيين في ظل ما ينتابهم من قلق إزاء مستقبلهم الغامض».
وشاركه الرأي المحلل توفيق أبو شومر،الذي رأى أن الملفات التي تنتظر الحكومة ثقيلة، «وتحتاج إلى معالجة سريعة وحكيمة»، مقترحا البدء في تشكيل المرجعية السياسية المتمثلة في المنظمة «للتغلب على الخلافات السياسية بصورة أساسية». وقال شومر لـ الأخبار» إن أهم خطوة للحكم على مدى نجاح الزيارة هي ملف الإعمار.
يشار إلى أن القيادي في «حماس»، أحمد يوسف، قال أمس إن هناك «تفكيرا جادا لتشكيل قائمة موحدة من فتح وحماس في الانتخابات المقبلة»، وجاء تصريح يوسف عبر تلفزيون فلسطين، التابع للسلطة في رام الله، تعليقا على زيارة رئيس «التوافق» إلى غزة. وهذه الخطوة، إن جرت، تعني أن الطرفين اتفقا على برنامج سياسي واحد، وسيجري العمل عليه بإجماع الكتل الكبرى بما أنه لا يوجد من ينافسهما في حال دخولهما الانتخابات، فضلا عن انزواء بعض الفصائل عن المشاركة السياسية في مؤسسات السلطة.