ليس سرّاً أنّ القضاء في إسرائيل يُفرّق بين اليهود والعرب لمصلحة الطرف الأول بطبيعة الحال. ففي بحث أُجري في جامعة حيفا أخيراً، تبين أنّ العقوبات التي تُفرض على العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أكثر صرامةً وحزماً مقارنة مع المتهمين اليهود بتنفيذ المخالفة الجنائيّة نفسها.
وهكذا تصير العنصريّة «رياضة رسميّة» لدى السواد الأعظم من الإسرائيليين، ووصلت إلى الدورة الأخيرة في الكنيست التي جرى سنّ أكثر من عشرين قانوناً فيها، جميعها ضدّ فلسطينيي الداخل، وتهدف إلى تضييق الحيّز الضيّق أصلاً عليهم.
ومن ضمن أهداف هذه العنصرية النائبة في الكنيست الإسرائيليّ، حنين زعبي، وهي من حزب التجمع الوطنيّ الديموقراطي. زعبي باتت هدفاً مُستباحاً من الإسرائيليين، قيادةً وشعباً، بعد أنْ رفضت وصف اختفاء المستوطنين الثلاثة في الخليل بالعملية الإرهابيّة.
أيضاً، جاء الهجوم عليها بسبب تأييدها الفلسطينيين في غزة خلال الحرب الإسرائيلية عليها، علماً بأن اليهود قرروا فرض الحرمان الاقتصادي على عدد من المحال التجاريّة في المدن المحتلة المختلطة، مع أنه وفق الإحصاءات الإسرائيليّة الرسميّة، فإنّ أكثر من 50% من الأطفال العرب في الـ48 يُعانون الفقر المدقع.
في مقابل ذلك الموقف، تعرضت زعبي لحملة سافرة في الإعلام العبري، واتهمها وزير الخارجيّة الإسرائيلي بأنها إرهابيّة، طالباً منها الانتقال إلى السكن في غزّة. وفي خطوةٍ غير مسبوقة، قرر الكنيست إبعادها عن جلساته لمدة ستة أشهر، وهو عقاب لم يُتخذ منذ تأسيس إسرائيل.
أمس قدّمت زعبي، إلى جانب مركز «عدالة» وجمعيّة «حقوق المواطن»، التماساً ضدّ الكنيست في المحكمة العليا الإسرائيليّة، وطالبوا فيه بإلغاء قرار لجنة الكنيست التأديبيّة بشأن إبعاد زعبي عن الجلسات البرلمانيّة لمدّة ستة شهور «لأنه مسّ خطير بحقّ النائب في التعبير عن الرأي والمشاركة السياسيّة».
وجاء في الالتماس الذي قدّمه عدد من المحامين أن قرار الإبعاد اتخذ «من دون أن تكون للجنة صلاحية لاتخاذه، لأن ما تقدّمت به زعبي كان جزءاً من حقّها في التعبير السياسي عن الرأي، ولا يشكّل مخالفةً سلوكيّة». وأشار الملتمسون إلى أن القرار اتخذ «رغم أن المستشار القضائي للحكومة عارض فتح تحقيقٍ جنائيّ ضد زعبي بتهمة التحريض».
وكانت النائبة قد قالت، في مقابلة إذاعيّة، لمّا فُقد المستوطنون وقبل أن يتضح مصيرهم: «هل من الغريب أن ينفذ من يعيشون تحت الاحتلال، ولا يعيشون حياة طبيعيّة في واقع تخطف فيه إسرائيل المعتقلين يومياً، هل من الغريب أن يفعلوا عملية خطف؟... هؤلاء ليسوا إرهابيين. حتى وإن كنت لا أتفق معهم، هؤلاء ليس أمامهم أي منفذ، فهم أناس لا يرون إمكانيّة لتغيير هذا الواقع، لذلك هم مجبرون على استخدام هذه الوسائل حتى يعقل المجتمع الإسرائيلي والمواطنون قليلاً، ويشعروا بمعاناة الآخر».
منذ ذلك الوقت، جرّت جملة «هؤلاء ليسوا إرهابيين» ردود فعلٍ صاخبة في الرأي العام الإسرائيلي، وقد عادت النائبة زعبي وأكدت عبر الصحافة العبريّة والعربيّة أكثر من مرّة أنها لا تؤيّد «المسّ بالمدنيين»، وأنها ترفض استخدام مصطلح «إرهاب» في الصحافة العبريّة، لأنه يعبّر عن وجهة النظر الإسرائيليّة الأحاديّة الجانب بشأن الصراع العربي الفلسطيني، وتعرض الطرف الإسرائيلي على أنه الضحيّة.
يشار إلى أن الملتمسين ذكروا أن قرار اللجنة التأديبيّة «أقسى عقوبة فرضتها اللجنة في تاريخ الكنيست على خلفيّة تصريح ما، وهي أوّل مرّة تُفرض فيها عقوبة من هذه اللجنة بسبب تصريحٍ لم يحوِ أيّ تهديد أو تحريض أو تشهير، وذلك في مقابل أن اللجنة نفسها امتنعت حتى الآن عن فرض عقوبات على خلفيّة تصريحات أخطر بكثير تفوّه بها أعضاء الكنيست».
وذات مرة، امتنعت اللجنة عن فرض عقوبة على عضو الكنيست ميخائيل بن آري، وكان قد وصف أعضاء حركة «السلام الآن» بأنهم «خونة يسكرون في وادي كحول». وتكررت القضية مع تصريح لعضو الكنيست إيلي أفلالو الذي وصف زعبي بأنها «خائبة وقاتلة»، مع إطلاق النائب شموئيلوف بركوفيتش وصفاً آخر ضدها قال فيه إنها «مخربة وإرهابية»
كل هذه التصريحات لم يلق أصحابها أي عقوبة، علماً بأن أقسى عقوبة اتخذتها اللجنة ضد عضو كنيست بسبب تصريحاته السياسيّة كانت الإبعاد عن جلسات الكنيست ليوم واحد، وفي ذلك اليوم اتخذ القرار ضد النائب آرية إلداد الذي صرّح ضدّ حكومة شارون ـ أولمرت بأن من يتنازل عن منطقة تحت سيادة إسرائيليّة، يجب أن يقتل.