صنعاء | بعدما تصاعد الدخان الأبيض من دار الرئاسة اليمنية، مفرجاً عن اسم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة المقبلة، أحمد عوض بن مبارك، في تنفيذٍ لبنود الاتفاق الذي وقعته الرئاسة مع جماعة «أنصار الله»، أعلن المكتب السياسي للجماعة رفضها تعيين بن مبارك، مؤكدةً أنه «لا يتوافق مع الإرادة الوطنية، كذلك فإنه لا يلبي إرادة الشعب».
وجاء التوافق على تسمية بن مبارك، بعد يومٍ ماراثوني حافل بالنقاشات والجلسات المغلقة بين الرئيس عبد ربه منصور هادي ومجموعة مستشاريه (وبينهم ممثلّان عن جماعة «أنصار الله» وعن «الحراك الجنوبي»)، بالإضافة إلى لقاء معلن بين هادي والسفير الأميركي في صنعاء، ماثيو تولر، حيث جرى البحث عن طريقة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق «السلم والشراكة الوطنية» مع الحوثيين.
ولم يبرز سابقاً اسم بن مبارك بين الأسماء المطروحة لتولي المنصب. إذ انحصرت «المنافسة» بين مدير «منظمة العمل العربية»، أحمد لقمان، ومحافظ البنك المركزي، أحمد بن همام، والوزير السابق، يحيى العرشي، إضافةً إلى نائب وزير التعليم العالي، محمد مطهر.

ومع ذلك، وقع الاختيار على بن مبارك الذي كان سيمثل أحد أصغر رؤساء الحكومات اليمنية في السنوات الثلاثين الأخيرة (مواليد 1968). نال الرجل شهادة الدكتوراه في إدارة الأعمال من «جامعة بغداد»، ثم شغل منصب مدير مركز إدارة الأعمال والدراسات العليا في «جامعة صنعاء»، وعمل مستشاراً لعدد من المشاريع الدولية (هولندية، دنماركية، أميركية) في اليمن في مجالات الإدارة، الجودة في التعليم، سوق العمل، التنمية الدولية والنوع الاجتماعي.
كان بن مبارك عضواً رئيسياً في المفاوضات مع الحوثيين

كان جلّ اهتماماته أكاديمياً، إذ لم يعرف له أي نشاطات سياسية أو تحيزات حزبية، خصوصاً في فترة حكم حزب «المؤتمر الشعبي العام». ومع أنه عُيّن عضواً في اللجنة التحضيرية المكلفة الإعداد لأكبر نقاط التحول في العملية الانتقالية اليمنية، عام 2012، كممثل مستقل وانتخب مقرراً لها، لم يظهر بن مبارك فعلياً على الساحة السياسية إلا بعد اختياره من قبل الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، ليصبح أميناً عاماً لمؤتمر «الحوار الوطني».
وبرز ميل الرئيس هادي إلى جعل بن مبارك من المقربين إليه، عبر إيفاده خلال توليه ذلك المنصب لبعث رسائل رسمية رئاسية إلى عدد من ملوك وأمراء دول الخليج. كان ذلك مؤشراً لتوجه الرئاسة إلى تعيينه وزيراً للخارجية بدلاً من أبي بكر القربي الذي كان مقرباً من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وظلّ في ذلك الموقف لمدة طويلة.
إلا أن التعديل الحكومي دفع هادي إلى تعيينه مديراً لمكتبه بدلاً من نصر طه مصطفى، «الإخواني» السابق، حيث بدت رغبة هادي في إحاطة نفسه بشخصيات يثق بها وتدين له بولاء مطلق.
وعلى الرغم من رفض «أنصار الله» تسمية بن مبارك، كانت التطورات الأخيرة التي طرأت على المشهد اليمني قد أظهرت نوعاً من «الثقة» المتبادلة بين الجماعة وبين المرشح الحكومي، للمرة الأولى منذ منذ توليه منصب الأمين العام لمؤتمر «الحوار الوطني». حيث كان بن مبارك، إلى جانب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، جمال بن عمر، عضواً رئيسياً في لجان التواصل بين الرئاسة والحوثيين في المفاوضات التي سبقت التوصل إلى توقيع اتفاق «السلم والشراكة الوطنية» التي وضعت حداً للمعارك في صنعاء، بعد دخول الحوثيين إليها في نهاية الشهر الفائت. وعلى الرغم من مرونته التي ظهرت خلال المفاوضات بين الرئاسة والحوثيين خلال الشهرين الماضيين للتوصل إلى نقاط التقاء تؤدي إلى اتفاق كان حتى الأمس القريب شبه مستحيل بين الحكومة والجماعة، لم ترضَ الجماعة بمرشح الرئيس لتولي المنصب. كذلك، لم يشفع لـ«الدكتور» عدم تورطه في أحداث سابقة خلال مرحلة نظام الرئيس صالح، خصوصاً في فترة الحروب مع جماعة الحوثيين.