لم يتوقع سائق الشاحنة المحمّلة بالبرتقال، والذي خرج من الساحل صباحاً لإفراغ الحمولة في العاصمة، أنّ حرستا ستكون أرض مقتله. ففي هذه البلدة لا وقت لإسعاف سائق سيارة سبق المارين إلى الموت، أو الوقوف لتأمّل اللهيب المشتعل جراء استهدافها بقذيفة. لن يسعف الوقت المار إلا بأن يحيد طريقه عنه.
الفواكه والخضر المتناثرة على الطريق، خلال الأيام الفائتة، تلفت إلى ضحايا لقمة العيش. والغريب أن قاصدي طريق دمشق لا يغيّرون طريقهم من حرستا إلى طريق التل ــ معربا، إذ إن الموت حرقاً أو قنصاً بات أسهل على السوريين من تأخير 90 دقيقة إضافية، تضاف إلى وقت العمر المهدور على أرض البلاد. القناص القريب الذي لم يتوقف منذ زمن عن نثر الموت على مدخل دمشق، يمنع محافظة ريف دمشق من القيام بأية خدمات تتعلق بتنظيف الطريق أو إزالة السيارات المتفحمة منذ ما يزيد على سنة. يمكن على هذا الطريق أرشفة الموت الجاثم على مشارف العاصمة السورية، منذ بدايات الحرب. المسلحون القريبون لم ييأسوا بعد، رغم التذمر الشعبي المستمر من تأثيرهم في المسافرين، وضرورة التعامل السريع معهم، بدل إغلاق الطريق كلّما اشتدّ خطرهم... وآخر أمر بقطع الطريق جاء بالتزامن مع اشتباكات عدرا الأخيرة. بدأت اشتباكات حرستا، أول من أمس، قريبة من الأوتوستراد الدولي، حيث تركزت في محيط فرع المخابرات الجوية ومديرية النفوس ومعمل الخميرة. تفجير عربة مدرعة للجيش في محيط فرع المخابرات زاد الأوضاع سوءاً، بسبب وصول الاشتباكات إلى داخل المبنى. غير أن مصدراً ميدانياً أكد لـ«الأخبار» أنّ المعلومات المتناقلة عن سقوط المبنى تحت سيطرة المسلحين عارية من الصحة. كذلك أكد المصدر أنّ الجيش صدّ هجمات المسلحين على مبنى «البانوراما» في حرستا، قبل يومين.
لا يمكن للمنطقة ألا تتأثر بالمعارك الضارية التي يخوضها الجيش ضد مسلحي «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية»، إذ إنها لطالما كانت مفتوحة كمنفذ الغوطة الشرقية ودوما وعدرا، باتجاه الأتوستراد الدولي والقلمون. اغتيال قائد لواء «فتح الشام» في مدينة حرستا على أيدي مسلحين مجهولين، أول من أمس، عقّد الأمور بالنسبة إلى المسلحين المتخبطين في الغوطة وحي جوبر الدمشقي. الجيش السوري نفّذ عشرات الغارات الجوية داخل الحي، خلال اليومين الفائتين، ما جعل العاصمة السورية تغرق في أصوات الانفجارات وسيارات الإسعاف. وفي حين تم إعلان الدخانية، جنوب دمشق، آمنة عبر وسائل إعلامية موالية عدة، أكد مصدر ميداني المعارك مستمرة في الدخانية، والتقدم لمصلحة الجيش السوري. وبحسب المصدر، فإن المسلحين سيطروا على نقاط عدة للجيش على محور عربين، بهدف خلق خرق أمني على الجبهات الأقل قوة بالنسبة إلى الجيش، إلا أن القوات السورية تتعامل مع الأمر وتحاول استعادة المواقع مجدداً، حسب تعبيره. وذكر المصدر أن أفضل تقدم للجيش يتحقق باتجاه دوما بالسيطرة على مواقع مطلّة ومشرفة على مراكز تجمع «جيش الإسلام»، أبرزها تل كردي، شمال دوما، منذ أيام.
عملية جديدة في ريف اللاذقية
وفي ريف اللاذقية الشرقي، بدأت قوات الجيش عملية عسكرية واسعة، ما أدى إلى السيطرة على تلة الشميلات وقريتي عين الجوزة ورويسة الجاعورة، في محيط قمة النبي يونس الاستراتيجية. القمة التي تعتبر أعلى مرتفعات جبال الساحل السوري، أهم تحصينات قوات «الدفاع الوطني» في المنطقة. وتعتبر القمة مركز انطلاق القوات السورية للتقدم ضمن القرى القريبة من قريتي دورين وسلمى، الواقعتين تحت سيطرة مسلحي «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة». مصدر ميداني أكد لـ«الأخبار» أنّ العملية العسكرية جاءت بعد استعدادات كبيرة، وأثمرت نتائج سريعة. وبحسب المصدر، فإن التقدم الأخير غرب قمة النبي يونس أحكم الطوق على بلدة سلمى التي تعتبر عاصمة المسلحين في الريف الشرقي، ما أدى إلى سهولة التحكم الناري في البلدة الخارجة عن سيطرة الدولة السورية منذ ثلاث سنوات. سلاح الجو رافق القوات البرية عبر شنّ عشرات الغارات على مراكز تجمع المسلحين في المنطقة، إضافة إلى استهداف مراكزهم ضمن جبل الأكراد.
كذلك استأنفت قوات الجيش عمليتها العسكرية باتجاه ريف حماه الشمالي، حيث سيطرت على قرية المصاصنة، إلى الجنوب الغربي من مورك، والتي تعتبر الأقرب إلى قرية اللطامنة.