اسطنبول| أثارت المذكرة الرسمية التي تقدمت بها حكومة أحمد داوود أوغلو إلى البرلمان التركي للحصول على تفويض رسمي لعمل عسكري «خارج الأراضي التركية»، ضجة إعلامية كبيرة تركياً ودولياً، خلال الأيام الماضية، علماً بأن التفويض المرتجى ليس جديداً، فهو موجود منذ 4 تشرين الأول 2007، في ما يتعلق بالعراق، ومن 15 تشرين الاول 2012 بالنسبة إلى سوريا.
ويتولى البرلمان كل عام تمديد صلاحية هذه التفويضات، تماماً مثلما سيفعل يوم الجمعة المقبل. وقد تُعاد صياغة التفويض هذه المرة، ليبقى الموضوع غامضاً بشأن ماهية المهمات التي سيكلف بها الجيش التركي مستقبلاً في سوريا والعراق. وحين نتحدث عن الغموض في هذا الإطار، نقصد بالذات، تحديد «هدف» العمل العسكري المرتقب، هل هو «داعش» أم الأكراد أم الجيش السوري بحجة حماية «المعارضة المعتدلة».
وفشلت أنقرة منذ آب ٢٠١٢ في إقناع واشنطن بإقامة حزام أمني داخل الأراضي السورية، كما فشلت في إقناعها بضرورة فرض منطقة حظر جوي لمنع الطائرات السورية من التحليق في المناطق الشمالية، حيث تنتشر الجماعات السورية المسلحة. وأعلنت أنقرة، من جانب واحد، الشريط الحدودي، بعمق 5 كلم داخل الأراضي السورية، منطقة محظورة بالنسبة إلى الطائرات السورية، كما أسقطت المقاتلات التركية، قبل نحو سنة، مروحية سورية بحجة عدم التزامها الإنذار التركي، عندما اقتربت من الحدود التركية لمراقبة تحركات عناصر «جبهة النصرة» الذين احتلوا انذاك مدينة كسب الحدودية ودخلوها من الأراضي التركية.
سيناقش البرلمان التركي، غداً، مذكرة الحكومة، التي بات شبه محسوماً أنها ستنال أغلبية أصوات النواب، فإضافة إلى كون حزب «العدالة والتنمية» يملك معظم مقاعد البرلمان، تلتقي أحزاب المعارضة معه هذه المرة، باستثناء حزب «ديموقراطية الشعوب» الكردي. هو يطالب الحكومة بتوضيح المهمات التي سينفذها الجيش الذي سبق له أن استفاد من التفويض وقصف مواقع حزب «العمال الكردستاني» شمال العراق، بضوءٍ أخضر أميركي آنذاك، ويتخوف الحزب من أن تستغل الحكومة التفويض لتعيد الكرّة إنما عبر ضرب أكراد سوريا. ويرى الحزب أن أنقرة غير جادة في مسألة محاربة «داعش»، إذ إنها لم تضرب قوات التنظيم التي تحاصر عين العرب بالقرب من حدودها.
في هذا الوقت، تحدثت الصحف التركية عن اتفاق بين أنقرة و«داعش» للحفاظ على ضريح سليمان شاه في المنطقة التي تسيطر عليها في حلب وعدم إلحاق أي ضرر به، مع العلم أن التنظيم دمر جميع الأضرحة في المناطق التي اجتاحها في سوريا والعراق.
وتقول مصادر مطلعة أن ما يهمّ أنقرة فعلياً ليس ضرب «داعش»، بل حماية قوى «المعارضة السورية» من أي عمل عسكري سوري شامل. على أن تبقى مشاركة الجيش التركي في علميات «التحالف» ورقة مهمة تساوم بها أنقرة واشنطن مقابل اعتراف الاخيرة لها بمزيد من الدور العسكري والسياسي المستقبلي في سوريا، وخصوصاً في ظلّ مساعي واشنطن لإنشاء جيش جديد من قوى «المعارضة المعتدلة» لمحاربة «داعش»، ثم النظام السوري. وجلّ ما يهم أنقرة في هذا الصدد، أن يكون هذا «الجيش» تحت إمرتها لا تحت إمرة دولٍ أخرى، وفي مقدمتها السعودية.