قرأت رسالتكم الكريمة التي نشرتموها على الملأ والتي تشرحون فيها رأيكم الفقهي بخصوص الشباب المهاجر من قطاع غزّة (أو أي مكانٍ في فلسطين أو بلاد العرب) إلى بلاد الله الواسعة غير المسلمة حسب تعبيركم. وقد لاحظتُ أنكم ختمتم رسالتكم بنوعٍ من "القسوة" الشديدة في الحكم تجاه من يخالف رأيكم الكريم الوارد في تلك الرسالة.
قرأت رسالتكم الكريمة التي نشرتموها على الملأ والتي تشرحون فيها رأيكم الفقهي بخصوص الشباب المهاجر من قطاع غزّة (أو أي مكانٍ في فلسطين أو بلاد العرب) إلى بلاد الله الواسعة غير المسلمة حسب تعبيركم. وقد لاحظتُ أنكم ختمتم رسالتكم بنوعٍ من "القسوة" الشديدة في الحكم تجاه من يخالف رأيكم الكريم الوارد في تلك الرسالة.
في البداية استاذي الفاضل، أود أن أشير إلى أنَّ الشباب المهاجر الذي مرّ عليه مذ أصبح "شاباً" أكثر من ثلاثة حروب، لا يجد عملاً، كما انه لا يجد أي نوعٍ من الحياة "الكريمة". قد تعتقدون حضرتكم بأنّهم يهاجرون طمعاً في أي شيء، لكن ما لا تعرفونه أنّهم يهاجرون لأنهم لا يريدون أن يكونوا "شهداء" فحسب.
فالشهادة وإن كانت أسمى أماني بعض الناس، إلا أنّه ـ كما تعلمون ـ ليس كل الناس "مقاتلين" و"مجاهدين"! وبالتالي فإنّ كثيراً من شبابنا، وفي حال حصول عدوان جديد على غزّة، سيصبحون مجرد "أهداف" للقتل، اأداف لا حول لها ولا قوة. لكن ذلك كلّه ليس معرض النقاش ههنا، بل الأهم هو الرد على بعض الأمور التي أوردتموها.
قلتَم وأشرتم إلى أنَّ الرسول (صلعم) سيتبرأ من المسلمين الذين يقيمون بين الكفّار، مع العلم بأنَّ كثيرين من قيادات تنظيم الإخوان العالمي، الذي تنتمون إليه حضرتكم، يعيشون في أوروبا بشكلٍ دائم، فضلاً عن أن كثيراً من قيادات حركة حماس (والتي تنتمون إليها حضرتكم أيضاً) درسوا وعاشوا سنيناً طوالاً في أوروبا، فهل تقولون إنكم تتبرأون من هؤلاء؟ فإن كان الجواب لا، يستحق السؤال: إذاً لم الكيل بمكيالين؟
أشرتم في نقطتكم الثالثة في رسالتكم الأصلية إلى أنَّ المسلم سيألف المنكرات إذا ما عاش بين "الكافرين". وفي ذلك منطقٌ غريب، من قال بأن دين هؤلاء الشبان المهاجرين "ضعيفٌ" إلى هذا الحد؟ هل يعني سفرهم أنهم "ضعفاء الدين" لذلك يستوجب الشك في أنّهم سيألفون المنكرات ويستقربونها وبالتالي يعتبرونها أمراً عادياً؟ هذا خطأ غريبٌ يا سيدي الكريم، فهل تقاس الأشياء بهذه الطريقة؟
في نقطتكم الرابعة كانت جملتكم الشهيرة والغريبة في آونة واحدة: أن المسلم لن يسمع في تلك البلاد أذاناً. د. صالح، هل فعلاً أنت تعيش في عصرنا؟ بالله عليك هل تعيش في عصرنا فعلاً؟ هل هناك بلدٌ أوروبي أو غربي لا يوجد فيه مساجدُ ومسلمون؟ ولنفترض عدم وجودهم، هل تعرف كم البرامج التي يمكن تحميلها على هاتفٍ نقال لتحديد موعد الصلاة والأذان وكل ذلك؟ أما عن مشاركة المسلم في أعياد من وسمتهم بالكفار، وهو وسمٌ غريبٌ بالمناسبة، فأغلب "الكفار" هؤلاء هم من أصحاب الكتاب الذي أمرنا الرسول الكريم (ص) في أكثر من حديث بالتعامل الحسن والأليف معهم، ألا تذكر جار الرسول الأكرم (ص) اليهودي؟ أم أن تلك القصة "كذبٌ" ولا صحة فيها؟ أما بحال أنّها صحيحة، فلماذا إذاً هذا المنطق "الغريب" والبعيد من دين الإسلام؟.
أي دين هو لتيسير شؤون الناس وربطها بالخالق بفرحٍ شديد

بقيت النقطة الخامسة والأكثر خطراً، إنكم تشيرون إلى طول الإقامة والرزق بالذرية في تلك البلاد، حيث ينشأ الأولاد على المفاتن والمفاسد. يا سيدي الكريم، من قال لك إن ذلك سيحدث للأطفال المسلمين لو أتوا؟ فأنت تعرف كما يعرف الجميع أن المدارس الإسلامية توجد في أوروبا والغرب بكثرة، فضلاً عن أن التجمعات العربية موجودة وفاعلة، وبأنّها تحمل نفس العادات والتقاليد العربية بحرفيتها و"تخلفها" في كثيرٍ من الأحيان.
يا د. صالح، حاولت في رسالتي هذه أن أكون محيطاً بكل رسالتكم، محاصراً لها، متلافياً أي هجومٍ على شخصكم الفاضل، لأنّ الحديث في هذا الموضوع "سياسيٌ" بحت كما أعتقد ولا شأن للدين به، لكنكم تصرون على عادة الإخوان المسلمين في إدماجه في الألعاب السياسية، حيث يصبح حلالاً إذا ما فعلتموه أنتم وحراماً إذا ما قام به غيركم. هذه الثنائية هي ما جعلت مسلمين كثيرين ينفضون عنكم في أول الطريق وحتى اللحظة.
يا شيخنا إن الشبان هؤلاء لا يهربون من غزّة كما تعتقدون لأنّهم قليلو دينٍ وإيمان، ولا لأنّهم لا يريدون "المقاومة"، أو أنّهم حتى يريدون ترك أرضهم كي ينهشها العدو. إن هؤلاء الشبان يضحون بكل شيء في سبيل حياةٍ كريمة لهم ولعوائلهم دون منٍّة من أحد، من أية جهةٍ كانت ومن أي بلدٍ كان. لا يبدو يا د. صالح أنكم تعرفون أنه لا وظائف في غزّة، كما لا يبدو أنكم تعرف أنّ المدينة تعيش على المعونات الخارجية بشكل كلي، لا يبدو ذلك نهائياً ضمن اهتماماتكم، وهنا يكمن سؤالي: أيُ منطقٍ يقبل بهذا؟
أعرف أنك حينما ستقرأ هذه الرسالة، وقد لا تقرأها ابداً أيضاً، لن يعجبك منطقي وستعتبره تطاولاً، ولربما حتى ترميني بالكفر، ولكن صدقني ليس فيَّ شيءٌ ضدك، لكنني في نفس الوقت ضد كل ما تفوهت به وقلته في رسالتك. لأن الدين، أي دين، هو لتيسير شؤون الناس وربطها بالخالق بفرحٍ شديد، وليس في حزنٍ وألم وعذاب. المقاومة هي درعنا الواقية، لكن الحياة الكريمة من دون ذلةٍ ومنةٍ من أحد هي من شروط المؤمن الصالح، فكيف يكون المرء عبداً للقمته ومقاوماً حراً شريفاً في نفس الوقت؟
يا شيخنا الكريم، هي صرخةٌ في العلن، ونداء بصوتٍ مرتفع، أتمنى أن تسمعه.
دع من يريد التفتيش على رزقه يذهب، إن لفي البحث عن الرزق حسناتٌ كثيرة!


*نص الرسالة