«لقد تغيّر موقفنا الآن والمسار التالي سيكون مختلفاً كلياً»، بهذه الكلمات القليلة أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من نيويورك، تغيُّر موقف بلاده إزاء تنظيم «الدولة الإسلامية»، بعد الإفراج عن الرهائن الأتراك، ملمحاً بذلك إلى احتمال الانضمام إلى «التحالف الدولي»، عبر الإشارة إلى «إجراءات ضرورية» سيتخذها البرلمان في 2 تشرين الأول المقبل.
كذلك، أعقب تصريح أردوغان في الجمعية العامة للأمم المتحدة تأكيد الحكومة التركية أمس، أنها مستعدة لاتخاذ كل الاجراءات اللازمة، بما في ذلك العسكرية منها لمحاربة مقاتلي «داعش». وأكد رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو في خطابٍ ألقاه أمام المسؤولين في حزب «العدالة والتنمية» أنه إذا كانت هناك عملية أو حلّ عسكري يمكنه أن يعيد السلام والاستقرار إلى المنطقة فإننا ندعمه، مضيفاً سنتخذ كل التدابير اللازمة لحماية الأمن القومي. واستدرك داوود أوغلو أنه في حال تبنّي مقاربة تستند إلى حلول مؤقتة بهدف إرضاء الرأي العام، «فإننا نعلن بكل صراحة قناعتنا حيال ذلك». إذاً، بعد أسابيع من التردّد والمكابرة، يبدو أن تركيا حسمت أمرها أخيراً لمصلحة التصدّي للتنظيم.
وأظهرت أنقرة أن قرارها ذاك، جاء رداً على استعادة الرهائن الأتراك من الموصل الذين كانوا شرطها الأساسي لتغيير طبيعة دورها في «التحالف» والانخراط فيه عسكرياً. وكانت أنقرة قد كشفت، بعد تحفظ، عن المعلومات التي أدت إلى إطلاق الرهائن الـ 49 وأفصحت عن دور «لواء التوحيد الإسلامي» التابع لتنظيم «الإخوان المسلمين»، وتنسيقه مع الاستخبارات ووزارة الخارجية التركية لإطلاق الرهائن، وذلك عبر إطلاق سراح خمسين محتجزاً من «داعش»، في صفقة تبادل واضحة.
رمت تركيا من خلال هذا التصريح إلى تأكيد مسألتين: الأولى هي تبرئة «الإخوان المسلمين» من تهمة الإرهاب، والتنسيق مع «داعش»، أما الثانية فهي التأكيد أنها لم تهمل مواطنيها، ولم تتواطأ مع «داعش» لاحتجازهم كما ادعت المعارضة التركية.
من هنا، جاءت تصريحات أردوغان في نيويورك المنتقدة للاتهامات التي طاولته بالوقوف إلى جانب التنظيم التكفيري، مؤكدةً تغير موقف بلاده، باتجاه أن التعاون مع التحالف يجب أن يكون سياسياً وعسكرياً.
ترى أنقرة أن
ضرب «داعش» سيحرر التنظيمات الإسلامية

لم يعد لتركيا خيارٌ إلا الانضمام إلى «التحالف» الذي أرادته الولايات المتحدة حلفاً «سنيّاً» لقتال التنظيم المتطرف.
فوسط المشاركة العسكرية والسياسية للدول العربية، تضع عدم المشاركة تركيا إلى جانب «داعش»، ما يكسبها عداء هذه الدول التي تختلف معها أساساً في قضية «الإخوان المسلمين».
تريد واشنطن إعادة صياغة توازنات جديدة من خلال جمع حلفائها بعد فشل هذه القوى بتنفيذ الخطط السابقة. هي فرصة لتركيا من أجل إعادة «اللُّحمة» مع حلفائها، لكن التحالف يضمّ مصر التي لا تشارك فيه عسكرياً وتكتفي بالتأييد السياسي.
لذلك انتقد أردوغان الرئيس السيسي أثناء خطاب ألقاه في الأمم المتحدة، مذكراً باعتراف الغرب بنظام السيسي «غير الديموقراطي» من دون تردد.
قصد أردوغان من خلال هذه التصريحات «تطمين» حلفائه في تركيا و«الإخوان» في العالم العربي بأن اشتراكه في هذا التحالف لا يعني تخلّيه عنهم بل تمثيلهم، ونفي تهمة الإرهاب التي ألصقتها بهم كلّ من مصر والسعودية.
وتعتقد تركيا أن ضرب «داعش» سوف يحرّر كل التنظيمات الإسلامية التي أُجبرت على الالتحاق بـ «داعش»، إذ ستنفصل عنها العشائر و«الجيش الحر» الذين تربطهم بتركيا علاقات وثيقة، ما سيساعد على الاستعانة بهذه القوى وإعادة تمكينها وتدريبها وتسليحها من أجل قلب التوازنات في الساحة السورية.
تبدو تركيا حتى الآن خاسرة. سواء شاركت في «التحالف» أو رفضت المشاركة فيه، وسواء كانت مشاركتها علنية أو سرّية، إلا إذا استطاعت أن تضمن مكسباً سياسياً من واشنطن، الأمر الذي يبدو بعيد المنال، حيث تختلف طموحات واشنطن عن رغبات حلفائها. فهي تستخدم الأدوات المحلّية من أجل تنفيذ خطّة غير معلنة فقط. ولقد أكدت أن خطة «بناء قوات المعارضة السورية المعتدلة» طويلة الأجل، وتحتاج إلى وقت وجهد كبيرين من دون ضمانات بأن تنجح في تحقيق انقلاب في الموازين الميدانية ضد الدولة السورية.