بات انتقال التحالف الدولي المزعوم لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إلى مرحلة جديدة، يقف عند تقاطع لا بد وأن تعيد واشنطن، ومن خلفها الرياض، تثبيت ركائز تصوراتهما له قبل الوقوع في دوامة الضربات الجوية وفي تعقيدات المشهد السوري، الذي تلاعبت به تركيا، المناوئة، بشكل كبير خلال الأيام الماضية.
وفي الساعات الأخيرة، برز في نيويورك اللقاءان اللذان عقدهما وزيرا خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، والسعودية، سعود الفيصل، مع نظيرهما الإيراني، محمد جواد ظريف، في اجتماعين ترافقا بنحو لافت مع مسألة الربط الغامض المثار إعلامياً في الساعات الأخيرة بشأن ما نقل عن مسؤولين إيرانيين عن مطالبتهم بـ«مرونة غربية في الملف النووي»، في مقابل استعداد طهران للإسهام بنحو أكثر فاعلية في محاربة تنظيم «داعش».
وبعد لقاء أول لظريف مع وزير الخارجية السعودي، الذي وصف البلدين بـ«النافذين» في المنطقة، تباحث وزير الخارجية الإيراني مع نظيره الأميركي في التهديد الذي يشكله تنظيم «داعش»، إضافة إلى «مراجعة وضع مفاوضات 5 + 1 بشأن البرنامج النووي الإيراني»، وفقاً لمسؤول أميركي، أضاف أنهما اتفقا على الاجتماع مرة أخرى «حسب الحاجة» أثناء وجودهما في نيويورك لتعزيز المحادثات.
ويبدو أن هدف الانفتاح المحدود على إيران يكمن في المسعى إلى عدم إفلات ما جرى تحقيقه ضمن العملية السياسية العراقية، والتمهيد للبدء في تنفيذ الخطط بشأن تشكيل ما سُمّي «الحرس الوطني»، تحديداً في المحافظات الغربية. وقد كان لافتاً مساء أمس التقرير الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، التي قالت فيه إنه «بعد ستة أسابيع من الضربات الجوية الأميركية، بالكاد نجحت القوات العراقية بزحزحة (داعش) من الأراضي التي سيطر عليها... ويرجع ذلك في جزء منه إلى أن العديد من العشائر السنية بقيت على الهامش»، في إشارة هي الأولى من صحيفة أميركية بعد تشكيل الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي، التي ما زالت دون وزير للدفاع ووزير للداخلية بسبب تشابك عدد من المعطيات الداخلية والخارجية.
في موازاة ذلك، لا تزال مسألة احتمال مشاركة قوات أميركية في المعارك في العراق تثير جملة من الرفض، حيث أعرب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمس، خلال استقباله وزير الدفاع الأوسترالي، ديفيد جونستن، عن رفضه تدخلاً برياً في بلاده لقتال تنظيم «داعش»، مشيراً إلى أن «قواتنا الأمنية وقوات الحشد الشعبي تمتلك القدرات البشرية لكسب المعركة من العدو»، فيما أكد المسؤول الأوسترالي أنه يجري حالياً نشر طائرات أوسترالية مقاتلة في منطقة الشرق الأوسط للمشاركة في حملة الغارات الجوية.
بوتين يناقش سبل التعاون مع «الشركاء» في مكافحة «داعش»

عموماً، بدأت مسألة المشاركة العسكرية الأميركية في العراق تشكل عقبة ضمن المسار الطويل الذي تتبعه واشنطن. فمع عودتها إلى ساحة العمل العسكري في العراق وغوصها جدياً من جديد في المنطقة، أجرت وزارة الدفاع الأميركية تقويماً عملياً لمهمة صعبة لتثبيت نظام الحكم في بغداد، وخلصت إلى أن الأمر قد يتطلب وجود جنود أميركيين على الخطوط الأمامية مستقبلاً. وبرغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما استبعد إشراك القوات الأميركية في مهمة قتالية، يقول مسؤولون عسكريون إن واقع شنّ حملة مطولة في العراق وربما في سوريا أيضاً قد يفرض في نهاية الأمر زيادة استخدام القوات الأميركية.
المسألة الثانية التي لا تزال تفرض عقبات أمام واشنطن تكمن في احتمال توسيع الضربات لتشمل سوريا، في ظل عدم موافقة عدد من حلفائها الغربيين للمشاركة. وفرنسا التي تشارك في «التحالف» المزعوم ضد «داعش»، هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي شاركت حتى الآن في حملة الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة في شمال العراق، لكنها استبعدت القيام بالأمر نفسه في سوريا، الأمر الذي أكده يوم أمس وزير الخارجية فلوران فابيوس.
في هذا الوقت، كان الحراك الدبلوماسي الأميركي يسعى إلى توسيع دائرة الدول المساهمة في «التحالف» عبر التوجه باتجاه روسيا، التي يبدو أنها تسعى إلى الاكتفاء بالتعاون مع «الشركاء... في إطار القانون الدولي». وقال مسؤول أميركي إن كيري تباحث مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في «كيفية توسيع النقاش الذي بدأناه حول الدور الذي قد ترغب روسيا في أن تؤديه في التحالف»، مضيفاً: «لقد كنا واضحين للغاية بشأن قائمة وسائل المساهمة... لذلك أعتقد أننا ننتظر لنسمع من الروس ما الذي ينوون فعله». وأكد لافروف لنظيره «ضرورة احترام سيادة سوريا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية».
في غضون ذلك، ناقش الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اجتماع مع أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي سبل التعاون مع «الشركاء» في مكافحة تنظيم «داعش». وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، إن «أعضاء مجلس الأمن تبادلوا الآراء حول الأشكال الممكنة للتعاون مع الشركاء الآخرين في ما يتعلق بمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في إطار القانون الدولي».
وفي اتصال مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أكد بوتين «عدم جواز توجيه ضربات جوية ضد مواقع الدولة الإسلامية في سوريا من دون موافقة دمشق».
وفي دمشق، حذر وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، من «النيات الخفية» للتحالف الدولي. ورأى في حديث إلى قناة «روسيا اليوم»، أن الاعتداء على الأكراد في شمال سوريا هو اعتداء على السوريين جميعاً، مشيراً إلى أن الدول التي يجري الحديث عنها في التحالف المحارب لـ«الدولة الإسلامية» جميعها تآمرت على دمشق. وأكد أن المقاتلات السورية قصفت مواقع ما يسمى «داعش» قرب عين العرب (كوباني) شمالي البلاد.
وتأتي مجمل هذه التطورات قبل يومين من انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث سيكون الرئيس الأميركي من بين أول من سيلقون كلمات، فيما من المفترض أن يرأس أوباما، في اليوم ذاته، اجتماعاً لمجلس الأمن الدولي سيدرس عدداً من المسائل، أهمها «وقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)