لم تعلن السعودية موقفاً رسمياً يظهر حقيقية موقعها من تطورات المشهد اليمني المتسارعة وغير المفاجئة، لكنها تعتبر ما يجري من توقيع أنه ليس إلا موقفاً ضعيفاً من الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي أبرم صلحاً مع الحوثيين. لكن الموقف السعودي ليس مرتبكاً أمام ما يفعله الرئيس اليمني، فهو يعرف أن التأثير الأكبر للمبعوث الدولي جمال بن عمر. هنا يعيد السعوديون التفكير ملياً، في رجل علاقته متوترة جداً مع الرياض، ويرعى مبادرتها الخليجية في اليمن لإنهاء الأزمة.
السعودية بشكل ما تحمّل اليوم الأمم المتحدة مسؤولية سقوط صنعاء في قبضة الحوثيين، وبالتالي الانقلاب على المبادرة الخليجية، ومشروعها السياسي في اليمن.
هناك اتهام سعودي مبطّن لبن عمر بأنه قدم تنازلات لإرضاء الحوثيين، في مقابل أنه لم يأخذ أي ضمانات منهم. المتتبع للإعلام السعودي يلحظ نوعاً من اللوم، يكاد يكشف حدة الخلاف بين شركاء المبادرة.
هذا الخلاف نابع من طريقة نظر كل من السعودية وشركائها إلى ما حدث، خاصة بعد التوقيع؛ فالممكلة التي تقول اليوم إنها تعيش استقراراً وسط منطقة تعج بالفوضى، ترى أن الحوثيين انقلبوا على الاتفاقية بعد توقيعها، ووسعوا رقعة انتشارهم العسكري، وسيطروا على صنعاء، لإقصاء كافة اليمنيين وليس فقط «الإخوان». السعودية باختصار ترى في الحوثيين «داعش». قالها عبد الرحمن الراشد في الشرق الأوسط صراحة: «السكوت على استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، يماثل القبول باستيلاء داعش في العراق على الموصل».
إذاً، الشقيقة الكبرى الآن ترى إيران متاخمة لحدودها، وترى أن مبادرتها كانت ساذجة وفيها منافذ كثيرة، نفذ منها علي عبدالله صالح الذي خرج بأمواله ورجاله وقوته من الثورة الشعبية، بفضل مبادرة وقّعت في الرياض التي تبدو الآن أكثر من نادمة على تولّي رجل بلا مهارات أو قدرات حكم اليمن، كما يصف الاعلام السعودي عبد ربه منصور هادي.
علاقة هادي والسعودية كانت شبه مقطوعة، خلال الفترة الأخيرة، إلى درجة أن الرياض ضغطت عليه مالياً، وأخّرت المنح المالية التي كان من المفترض أن تسلم للحكومة اليمنية منذ أشهر.
غير أن الوضع الداخلي لم يرضخ للابتزاز السعودي، وكان واضحاً أن هادي يذهب بعيداً، بما يعني اقتراب الحوثيين من العاصمة. خلال هذا الوقت، لم تتحرك السعودية، أو تحاول احتواء الموقف. كان حلفاؤها يدهسون بسرعة تحت عربة البارود الحوثية، ولم تمد يد المساعدة، ولم تعمل للضغط، والأنكى أن المشرف الدولي كان خارج سيطرة الحوثيين.
فبن عمر يعمل لحسابه الشخصي. هو يجيد قراءة الموقف اليمني، ويعرف تماماً أي طرف يمكنه قلب موازين الامور، وقلب الطاولة على رأسه إن هو وقف أمامه. في الأخير هو يحاول أن يكسب الأقوى، ولكن مع عدم خسارة بقية الاطراف.
ربما من السابق
لأوانه انتظار موقف الحوثيين من علاقاتهم الإقليمية والدولية

ويجب أن نفرق بين الدول العشر والمبعوث الأممي، ونرى مدى عمق الشرخ بينهما؛ فالسعودية ودول الخليج الراعية للمبادرة الخليجية لا تحبذ رؤية الحوثيين متصدرين للمشهد السياسي في صنعاء. أما بالنسبة إلى البقية فالأمر متباين، ومن هنا يتضح أن العشر غير متساوين في تأثيرهم في اليمن، وأن الحسابات بينهم وتأثير كل منهم على مجريات اللعبة تتأثر بقوة نفوذه في اليمن.
الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية هي اللاعب الإقليمي والدولي في اليمن، وهي عبارة عن خمس دول خليجية، بعد خروج قطر من المبادرة، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن.
ويمكن وصف المحور الروسي ــ الصيني في اليمن بالضعيف جداً، مقابل التأثير أو الهيمنة الاميركية ــ البريطانية ــ الفرنسية حيث التنسيق واضح بين هذه الدول وكذلك توزيع الأدوار: أميركا تتسلم ملف الجيش بحسب المبادرة، وفرنسا الدستور.
هل ينسجم الحوثيون والسفراء العشر، كما وضعوا أيديهم في يد جمال بن عمر؟ أم يرفعون شعارت الموت لأميركا، قافزين خطوة في الهواء بالقول إن هذا تدخل خارجي؟
ربما من السابق لأوانه انتظار موقف الحوثيين من علاقاتهم الإقليمية والدولية. كيف سيعيدون ترميم علاقتهم مع المملكة الجارة؟ وكيف ينظرون إلى القواعد الاميركية العسكرية؟ و ماهي خريطتهم في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية في اليمن؟ هم حالياً مشغولون جداً بتصفيه حساباتهم مع خصومهم، مشغولون جداً بتفجير مقر علي محسن الاحمر، وتفتيش منزل توكل كرمان. عليهم أولاً تأمين العاصمة، ومداخلها، وزرع نقاطهم التفتيشيه فيها، ما يعني ظهورهم بمظهر المسيطر مع مخاوف من تطور الاشتباكات في حال دخول طرف ثالث حاول تفجير الوضع في صنعاء.
في الحديث عن طرف ثالث بين الإخوان والحوثيين، ترمى سهام الاتهام باتجاه علي عبدالله صالح الذي ينشر صوره وهو في غمرة ضحكة، تفهم معانيها جيداً للمتابع للشأن اليمن.
فها هو الرئيس السابق، أو المخلوع كما يفضّل الإخوانيون مناداته، يعود ليفجر الارض تحت أقدام خصومه. انتقام كان أسرع وأقوى من المنتظر في أقل من أربع سنوات. يعود تيار صالح بقوة الى سدة الحكم، وإن كان الرجل لا يزال متوارياً سياسياً، يروج لخطاب الحياد والمصالحة وشرعية هادي. لكن الخارطة اليمنية تنبئ بأن صالح يمكن أن يطالب بحصة في المؤسسة العسكرية، بحيث يعود رجاله، وليس هو شخصياً، وبعدها حين يكون الحوثيون قد استقووا تماماً، يعود لتعلن المؤسسة العسكرية حرباً ضد حركة الحوثي المتمردة وتنهيها. وبهذا يكون صالح قد أنهى خصومه جميعاً. إلى حد الآن هذا محتمل ولا شيء متوقع.
ويبدو أن رئيس الوزراء القادم سيكون من رجال صالح، أو حلفائه. لن يكون إخوانياً، ولن يكون حوثياً، سيكون «صالحياً». وأما قوة الجيش وسلطته، فستعودان تدريجاً على ما يظهر لدى رجال صالح، الذين سيستعيدون مناصبهم العسكرية، بعد فرار اللواء علي محسن الاحمر. في المقابل، سيحصل الجنوبيون على قطعة كبيرة من الكعكة العسكرية، في حين يحتفظ الحوثيون بقوتهم الميليشيوية على الأرض. ماذا يعني ذلك؟