لا تعبّر اللقاحات الفاسدة التي أرسلتها «حكومة الائتلاف السوري» المعارض إلى الأطفال السوريين في المناطق «المحررة»، فقط، عن عمق الأزمة التي يعيشها أطفال سوريا. السنة الدراسية أتت بأوجاعها هذا العام بالنسبة إلى الأهالي المتعبين، والأطفال الغافلين عن مستقبل رمادي يتجهون نحوه.
تكاليف بداية السنة الدراسية تمثل معاناة الفقراء، إذ تزيد على 20 ألف ليرة سورية (نحو 110 دولارات)، تشمل حاجات الطلاب بين لوازم القرطاسية والزيّ المدرسي المترافق مع الملابس اللازمة للمدرسة. يأتي ذلك رغم مساعي وزارة التربية لمساعدة الأهالي، بعد وصول الإقبال على المدارس خلال الأيام الثلاثة الأولى إلى 350 ألف طالب في سوريا، حسب إحصائيات الوزارة. ومن المتوقع أن يصل العدد خلال الأسبوع المقبل إلى نصف مليون، وهو رقم قياسي، في ظل تحديات الحرب القائمة. وزارة التربية واصلت جهودها لتخفيف التكاليف عن الأهالي، إذ وُزِّع مليون حقيبة مدرسية، بالتعاون مع منظمة اليونيسف العالمية، ووُزِّعت 80 مليون كتاب مدرسي على طلاب مرحلة التعليم الأساسي، مجاناً، وبنصف القيمة على طلاب مرحلة التعليم الثانوي. ورغم جهود الوزارة المتواصلة، إلا أنّ لصعوبات التدريس والتكيّف في المدارس حكاية أُخرى.
الدخول إلى مدرسة أشبه بالدخول إلى ثكنة عسكرية. هي المآخذ الدائمة على المدارس السورية الحكومية منذ ما قبل الحرب. مبانٍ داكنة اللون، مسلّحة نوافذها بقضبان معدنية، أشبه بسجن. ساحة إسمنتية فقيرة وخالية من أدنى متطلبات الترفيه. أما في الصفوف، فأعداد الطلاب تفوق استيعاب الغرفة الكئيبة. حصة الأوكسجين داخلها أقل بكثير من حاجة الحاضرين، إضافة إلى تذمر المدرّسين من القدرة على ضبط الصف وإعطاء كل طالب الاهتمام الذي يستحق. وزارة التربية أقامت دورات تعليمية للطلاب المنقطعين أو الغائبين، مدتها شهران، تنتهي باختبار لتحديد النجاح أو الرسوب، وذلك قبل بدء العام الدراسي. ولم تطالب أي طالب بتقديم أوراق ثبوتية تحدد الصف الذي ينتسب إليه. ولم تعتبر اللباس المدرسي الرسمي إلزامياً. غير أن فرض الوزارة منهاجاً تعليمياً إضافياً للمتأخرين عاماً كاملاً عن دراستهم، زاد من مسؤوليات المدرسين. تروي فضيلة، مدرّسة في مدرسة إعدادية في اللاذقية، أن مسألة التعليم ساءت عن ذي قبل، حيث أصبحت غرفة الصف التي تحوي 40 طالباً، (وهو رقم كبير)، تضم أكثر من 50 طالباً، في ظل عمليات النزوح وعودة أبناء المدينة من المحافظات الأُخرى. كذلك تشكو المدرّسة من قلة اهتمام الأهالي بأبنائهم دراسياً، وسط كثرة عدد أبناء الشهداء وتدني المستوى المعيشي وخسارة الوافدين إلى المدينة بيوتهم في المناطق التي نزحوا منها. أحوال الأهالي، بحسب فضيلة، تنعكس بنحو سيئ على تحصيل أبنائهم العلمي.
اليوم الدراسي الأول كان قاسياً على زياد. التلميذ في الصف الأول الابتدائي في إحدى المدارس العامة. تروي والدته ذهابها معه إلى المدرسة، «لتكون معه في استحقاق طفولته الأهم». غير أنّ الطفل أمسك بثوبها، وصاح باكياً طالباً أباه في الحال.
كان من الصعب على أم زياد التجاوب مع رغبة ابنها الشرعية في هذا اليوم الاستثنائي، فجثمان الوالد لم يعد بعد من مطار الطبقة العسكري، الذي سقط في يد تنظيم «داعش» في الرقة، منذ أكثر من شهر. أمرٌ تشرحه سناء، الموجّهة التربوية، إذ تذكر أنّ انطواءً واضحاً يغلب على ملامح أبناء الشهداء، مع عجز لدى الكادر التعليمي في استيعاب هذه المشكلة.
«نظرة الطفل تبدو مكسورة، ولا سيما أمام مشهد إيصال الآباء أطفالهم إلى المدرسة، فضلاً عن اهتمام الوالد الذي يفتقده الطفل»، تضيف سناء. محاولات المدرّسين الذين لديهم ما يكفيهم من مشكلات مهنية وشخصية، للتعويض النفسي للأطفال، تبوء بالإخفاق، حسب الموجّهة التربوية.
تشيد سناء بإصرار الدولة على استمرار العملية التربوية للعام الرابع على التوالي، رغم تحديات الحرب، بقولها: «المدرسة تجمعنا. دورها الاجتماعي إيجابي في حياة السوريين».
تسريبات من مصادر متابعة لاجتماع مجلس الوزراء الأخير توضّح عمق التحدي الذي تخوضه البلاد، إذ رفض وزراء الدفاع والخارجية والتربية، بشدة، مقترحاً يتعلق بإغلاق المدارس هذا العام، لما له من تأثير سلبي على استعادة مظاهر الحياة في شوارع البلاد وأهلها.

العلم للأغنياء... لا لأبناء الشهداء

الفروقات الطبقية تظهر بقسوة في المدارس الخاصة. لا يتجاوز عدد هذه المدارس أصابع اليد الواحدة في كل محافظة. عدد طلاب كل مدرسة لا يتعدى المئات من أبناء الأغنياء. يتجاوز القسط السنوي لكل طالب 125 ألف ليرة (680 دولاراً)، دون التكاليف الدراسية الأُخرى. المبنى الفخم والصالات الرياضية ووسائل الترفيه والتعليم، كلها من نصيب أبناء الأثرياء. أطفال يحملون هواتف نقّالة، ويقلّهم سائقون خاصون. تذكر هناء، طبيبة في أحد مشافي دمشق، أنه لا خيارات بقيت أمامها هي وزوجها إلا في تسجيل ابنها في مدرسة خاصة، في ظل اكتظاظ المدارس العامة، ما يؤثر سلباً في الاستيعاب والتحصيل. تشكو ارتفاع أقساط هذه المدارس، غير أنها تراها أخفّ وطأة من الضغوط النفسية التي على ابنها احتمالها. تحاول المرأة عزله عن ممارسات مخجلة تبدر عن أطفال بعض المسؤولين، الذين «يعانون إسرافاً في الدلال»، لكنها تفشل باستمرار في شرح الأمر لطفلها.