الجزائر | حبس أنفاس تعيشه الجزائر هذه الأيام. كلام عن تعديلات في رأس الحكم وفي الأجهزة التابعة بدأ يدور في أروقة النظام بعد 5 أشهر على إعادة انتخاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لفترة رئاسية رابعة في انتخابات أثير حولها الكثير من الشبهات.الكلام هذه المرة يدور عن تخلي بوتفليقة عن منصبه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والعمل على وصول رئيس الحكومة عبد المالك سلال إلى سدة الرئاسة.
الحديث عن التعديلات المرتقبة بدأه الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، عمار سعداني، الذي أعلن أن البلاد مقبلة على تغييرات في رأس هرم الدولة وصفها بـ «المهمة» ستعلَن قريباً.ويأتي إعلان سعداني بعد 6 أشهر من انتخابات شهدت مشاحنات بين الحزب الحاكم والمعارضة، وأيضاً اثر «الصدام» الذي حصل بين مؤسسة الرئاسة وجهاز الاستخبارات، الذي اخذ نصيبه من الاهتمام.
الحزب الحاكم كان قد رفض إبان الانتخابات دعوة المعارضة إلى استبدال بوتفليقة بسبب تدهور وضعه الصحي، وضرورة إحداث التغيير بما يتلاءم والمتغيرات الحاصلة في العالم. وجاءت التسريبات باقتراب موعد حدوث التغيير من الحزب الحاكم لتضع الطبقة السياسية في ارتباك كبير، وخاصة المعارضة التي تكتلت وتحركت وأسست تكتل ضغط يتكون من شخصيات سياسية ورؤساء حكومات سابقة وإطارات عسكرية سابقة، من أجل تحقيق التغيير المنشود.
وما زاد في ارتباك المعارضة، إقدام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال الأيام الماضية على عزل احد اقرب مستشاريه «الصقور»، عبد العزيز بلخادم، من منصبه في رئاسة الجمهورية ومنعه من كل مناصب الدولة ومن الحزب، إضافة إلى تنحية كل المستشارين في رئاسة الجمهورية واستبدالهم بشخصيات جديدة، وخاصة أن من بين الذين جرى عزلهم شخصيات قوية معروفة كالجنرال محمد تواتي، الملقب لدى الأوساط السياسية والإعلامية بـ «المخ»، وقبلها إحداثه تغييرات كبيرة داخل جهاز الاستخبارات شملت قادة عسكريين يصنفون ضمن المسؤولين الأقوياء الذين لا تحركهم من مناصبهم ولا توقفهم عن نشاطهم إلا الوفاة، كالجنرال جبار مهنة، الرجل القوي في الاستخبارات بعد رئيس الجهاز المدعو الجنرال توفيق.
قد يعلن بوتفلية استقالته في خطاب للشعب يزكي فيه
سلال للرئاسة
هذه التغييرات وصفتها المعارضة في حينها بصراع الأجنحة، لكن هذا الوصف سقط نهاية الأسبوع الماضي، بعد تعيين بوتفليقة للجنرال عثمان طرطاق في منصب مستشاره الأمني في رئاسة الجمهورية، وهو التعيين الذي جعل المعارضة خارج مجال تفكيك شفرات ما يحدث في هرم الدولة.
خروج عمار سعداني بتصريحاته، زاد المشهد السياسي في الجزائر، وخاصة المعارضة، غموضاً وارتباكاً، حيث شدد عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية المعارض والمحسوب على التيار الإسلامي، على أنه لا يثق في السلطة، مشيراًَ إلى أن «تصريحات الأمين العام للحزب موجهة للاستهلاك الإعلامي فقط، وأن فاقد الشيء لا يعطيه، وخاصة أننا نعيش في زمن الاستبداد والتزوير». وأضاف جاب الله، في حديث لـ «الأخبار»، أن «السلطة ليست لها النية في التغيير».
بدوره، أكد رئيس حزب «الجيل الجديد الحر» المعارض، جيلالي سفيان، أنه «لا يمكنه الوثوق والأخذ بتصريحات صادرة عن مصدر غير رسمي، وخاصة قبل إصدار الوثيقة النهائية المتضمنة التعديلات الدستورية». ولفت سفيان، إلى أنه في ظل «حالة الشغور التي تعيشها البلاد على مستوى موقع الرئاسة بسبب عدم قدرة الرئيس على ممارسة مهامه، فإننا لم نعد نعرف من يحكم الجزائر». وبناء على ذلك يطالب سفيان بـ «تمرير تعديل الدستور على استفتاء شعبي، لأن البرلمان الحالي غير شرعي، ويفتقد الصدقية».
من جهته، انتقد القيادي في الحزب الحاكم، عبد الرحمان بلعياط، الذي يعد أحد المعارضين لسعداني، تصريحات هذا الأخير، واكتفى بالقول لـ «الأخبار» إن «تعديل الدستور من صلاحيات رئيس الجمهورية وهو الوحيد المخول له دستورياً اتخاذ قرارات حول ما إذا كان التعديل سيمر على البرلمان أم عبر الاستفتاء».
من جانبه، أوضح رئيس مركز «أمل الأمة للدراسات الإستراتيجية»، عبد العزيز حريتي، أن «عمار سعداني ما كان له أن يصرح بتصريحات كهذه لو لم يطلب منه ذلك، بهدف تهيئة الرأي العام الداخلي لقرارات وترتيبات خطط لها الممسكون بالقرار في أعلى هرم السلطة، الذين قرروا فرض رئيس مقعد على الشعب الجزائري». وأكد حريتي «أنه يبدو أن الساعة قد حانت لتوريث الحكم إلى من رضيت عنه الجهات النافذة في السلطة». ورداً على سؤال «الأخبار» بخصوص الطريقة التي سيجري بها إحداث هذه الخطوة، أشار حريتي إلى أنه برأيه «أن ذلك سيجري بطريقتين: الأولى أن يخرج الرئيس بوتفليقة، في خطاب للشعب الجزائري يعتذر من خلاله عن عدم قدرته على الاستمرار في منصبه بسبب العجز الصحي، ويقوم بتزكية خلفه الذي لن يكون إلا رئيس الحكومة عبد المالك سلال، والثانية تفعيل المادة 88 من الدستور الجزائري، التي تعلن حالة شغور المنصب بسبب العجز الصحي، وبالتالي التوجه إلى انتخابات رئاسية مبكرة».
وأوضح أن «مسألة تعديل الدستور ما هي إلا طريقة لإلهاء الرأي العام، ما دام ليس هنالك معارضة قادرة على تجنيد الشعب وراء مشروع التغيير، والسلطة باتت تتجاهلها لأنها معارضة لا تخرج من صالونات الفنادق، وقاعات مقارها، ومنابر القنوات الفضائية وقاعات تحرير الجرائد».