«نحن بحاجة لأن نفعل كلّ ما في وسعنا لمعرفة من هي المعارضة غير الداعشية... لأننا، بصراحة، لا نملك أيّ فكرة عنها!»، قال السفير الأميركي السابق في العراق وسوريا رايان كروكر أخيراً. وبكلامه هذا يكون كروكر اختصر مخاوف كثيرة عبّر عنها صحافيون ومحللون من مختلف التوجهات السياسية في الأيام الأخيرة.
فمنذ أن أعلن الرئيس الاميركي باراك أوباما «استراتيجيته» ــ غير المفصّلة ــ لحربه على «داعش» «أينما كانت»، وبعد شهادة وزير الدفاع تشاك هاغل «غير الوافية» أمام مجلس النواب، طرح المحللون سؤالين أساسيين: مَن هي «المعارضة المعتدلة» التي سندرّبها لكي تحارب «داعش»؟ ومن سيحل محل «داعش» في الميدان السوري؟ وفيما كان على أوباما ومسؤولي فريقه أن يجيبوا عن السؤال الأول (وهذا ما لم يفعلوه حتى الآن)، تبقى الإجابة عن السؤال الثاني مرهونة بعوامل عدة يحدّدها سير المعارك لاحقاً.
بعض المحللين والدبلوماسيين الغربيين حاولوا شرح ما لم يأت أوباما أو هاغل على ذكره في «استراتيجية الحملة». وهنا برزت خلاصة واحدة ثابتة تكررت عند مختلف المحللين المتابعين للملف السوري: «المعارضة المسلحة المعتدلة غير موجودة في سوريا ولا يمكن التعويل عليها لأنها عبارة عن مجموعات متناحرة من دون قيادة موحّدة وأفضل مقاتليها هم من الإسلاميين المتشددين!».
«هناك مئات الميليشيات التي تقاتل ضد (الرئيس بشار) الأسد وتتقاتل في ما بينها على الأراضي السورية الآن. وحتى الأكثر علمانية بينها تحوّلوا على مرّ السنين الى إسلاميين للحصول على الدعم والسلاح، والباقون من المعتدلين يقاتلون غالباً الى جانب جبهة النصرة، جناح القاعدة في سوريا»، يشرح مقال «ذي نيويورك تايمز» منذ أيام. المقال الموسّع حاول رسم خريطة للقوى الموجودة على الأراضي السورية والتكهّن بما قد يكون دورها في الحرب على «داعش». لكن، عضو لجنة الاستخبارات في البرلمان الأميركي الديموقراطي، آدام شيف، قال لمعدّي تقرير الصحيفة إن «هناك الكثير من الشكوك حول هذا الجزء من استراتيجية أوباما... فمَن يطلَق عليهم اسم المقاتلين المعتدلين لطالما كانوا غير معتدلين وغير كفوئين».
الفكرة القائلة
إن الجيش الحرّ قوة موحدة ليست الا خرافة


فمن هي إذاً القوى المعارضة الفاعلة في الميادين السورية وهل يمكن لواشنطن أن تتعاون معها أولاً لمحاربة «داعش» وثانياً لتتسلّم زمام الأمور بعد زوال «داعش» (في حال زوالها)؟ خلاصة بعض التقارير المنشورة في الصحف والمواقع الأميركية تفيد بما يلي:
ــ «الجيش الحرّ»: يتألف من مجموعات مفككة غير مرتبطة مع الجسم السياسي المعارض في الخارج، ولا يتمتّع بقيادة موحّدة. عرّابهم الأميركي السفير السابق لدى دمشق روبرت فورد.
محللون ودبلوماسيون كثيرون يؤكدون أن «الفكرة القائلة إن الجيش الحرّ هو قوة موحدة تتمتّع بتركيبة قيادية فاعلة ليست الا خرافة». حتى أن «الحرّ» بات أخيراً مادة للتهكّم عند بعض الصحافيين خصوصاً في إطار انتقاد المسؤولين الأميركيين (أوباما ووزير الخارجية جون كيري) في بحثهم عن «المعارضة المعتدلة» وإعلان نيّتهم بتسليحها.
لكن فورد، يبدو مصرّاً على «الجيش الحر» وقد أكّد أخيراً لمنظمة «ذي أميركان بروغرس» (كما فعل في مناسبات عدة ومقالات سابقة) أن «مقاتلي الحرّ ما زالوا موجودين» ولكن «أولويتهم ليست (محاربة) الدولة الإسلامية بل نظام الأسد». الناطق باسم «الإئتلاف» المعارض أبيّ شهبندر، كرر أيضاً لموقع «ذي دايلي بيست» أن «هدف الجيش الحرّ الأساسي هو إسقاط نظام الأسد وهو يرى في داعش عقبة أمام تحقيق هذا الهدف».
ـــــ مجموعة «وكالة الاستخبارات المركزية»:
الأميركية وهي تتألف من حوالى ٣ آلاف مقاتل معارض، تلقوّا منذ نيسان ٢٠١٣ تدريبات على يد «سي آي إي» في معسكرات في الاردن وقرار زيادة عديدهم وتمويلهم ما زال معلّقاً في الكونغرس. عدا تسجيل بعض التقدم في أماكن محدودة شمال سوريا، لم تحقق تلك المجموعات انتصارات كبيرة على الأرض، بل خسرت عدداً من المناطق لصالح الجيش السوري و«داعش». وينقل عن بعض قيادييها أن أولويتهم، حتى في الحرب على «داعش»، تبقى مواجهة الجيش السوري وهم «لن يسحبوا مقاتليهم من مواقع المواجهة مع الجيش لمقاتلة داعش». أحد المحللين في مركز «كارنيغي»، آرون ليند، لفت الى أن هذه المجموعات «تقاتل في صفوف جبهة النصرة أحياناً، لأنهم بحاجة اليهم ولأن معركتهم واحدة».
ــ «الجبهة الإسلامية»: تضمّ ألوية من المقاتلين المتشددين، لكنها تضع نفسها في خانة وسطية بين الجيش الحرّ من جهة والنصرة و«داعش» من جهة اخرى. هي الأكثر فعالية في الأداء القتالي على الأرض بعد داعش والنصرة. لكن الغموض يلفّ هويتها وتمويلها ومستقبل تحالفاتها.
في الهوية هي تدّعي الوسطية وتقاتل الجيش السوري و«داعش» والقوات الكردية لكنها مقرّبة من «النصرة»، هدفها إقامة دولة إسلامية في سوريا وعقيدة بعض ألويتها تصنّفها واشنطن «متطرفة» خصوصاً «أحرار الشام». رغم ذلك رأى بعض المسؤولين الأميركيين أنه يجب التعاون معها في الحرب ضد «داعش» عوضاً عن المعارضة المعتدلة الضعيفة. تمويل «الجبهة» أيضاً غامض والتقارير تحّدثت عن دعم سعودي وقطري وتركي لمختلف ألويتها. أما دورها في الحملة على «داعش»، فما زال «مبهماً» ومن شأنه أن يكون محورياً في معادلات القتال الميدانية. هذا الغموض في قرارها ودورها تزايد بعدما أطيح بقيادة «أحرار الشام» أخيراً، بعد استهداف قادتها بتفجير. وتبقى التساؤلات حول قرارها معلّقة في انتظار الخيار الذي ستأخذه القيادة الجديدة لـ«الأحرار» والى جانب من ستقاتل «الجبهة» في الحرب على «داعش».
ــ «وحدات حماية الشعب» الكردية: حقق مقاتلوها انتصارات كثيرة على الارض في وجه المجموعات الجهادية المتطرفة. «لعلّها المجموعة الأنجح في مقاتلة هؤلاء»، وصفها البعض. لكن آخرين ذكّروا بأنها الفرع السوري من «حزب العمّال الكردستاني» المصنّف «إرهابياً» من قبل حلف شمال الأطلسي. ما سيصعّب التعاون معه رسمياً في الحرب الآتية. بعض الدول الأوروبية قامت بتسليح وتدريب البشمركة في العراق، مثل ألمانيا التي فضّلت ذلك على دعم أي فصيل معارض سوري، لأنه «لا يمكن فعلياً التحكّم بالجهة النهائية التي سيصل اليها السلاح هناك»، يقول السفير الألماني في واشنطن، لـ«نيويورك تايمز». إذاً، من الناحية العسكرية ـ الميدانية تبدو صورة المعارك والتحالفات والانتصارات غامضة حتى الآن. ولا وجود لأي «معارضة معتدلة» فاعلة الا في خطابات أوباما وكيري. التشاؤم ذاته فرض نفسه على بعض القراءات في المستقبل السياسي للحملة على «داعش».
فكما الحال على الأرض، لا تبدو السيناريوهات السياسية واضحة أيضاً. مَن سيفوز سياسياً بعد «تدمير» داعش؟ هل ستحلّ دولة المؤسسات أخيراً بعد التخلّص من التنظيم الإرهابي؟ مَن سيقوم بإرساء أسس الدولة المدنية في المناطق «المحررة»؟ سأل الصحافيون. البعض حسموا أن النظام السوري هو الذي سيقطف ثمار حملة التخلص من «داعش»، «كونه الجهة المؤهلة والأكثر تنظيماً وقوة» للحلول مكانه. لكن آخرين يشككون بأن تعود المناطق السورية التي وقعت تحت سيطرة «داعش» الى ما كانت عليه وأن يكون من السهل على النظام استعادتها. هل سنعيد تجربة العراق ونمنح إيران فرصة الاستيلاء على سوريا مجدداً؟ سأل آخرون.