غزة | استشهد أمس شاب فلسطيني متأثراً بجراح أصيب بها خلال العدوان الأخير على غزة بعدما كان يتلقى العلاج داخل أحد المستشفيات الأردنية. أنس الحناوي (22 عاما) ليس الجريح الأول الذي يلتحق بقافلة شهداء الحرب، الذين ارتفع عددهم ليلامس سقف 2160 شهيدا. ورغم أن هؤلاء الجرحى يتلقون علاجا في عدة دول منها تركيا ومصر وألمانيا، فإن الحالات الخطيرة التي وصلوا بها ستظل ترفع مؤشرات استشهاد عدد منهم لاحقا. واعتاد الفلسطينيون بعد كل حرب أن يشيعوا جثامين من يستشهد من الجرحى الذين يقفون بين الحياة والموت، ومنهم أيضا من يفقد روحه داخل مستشفيات غزة ذات الإمكانات القليلة، وخاصة أن الحظ لم يحالفه للسفر إلى الخارج.مصادر طبية فلسطينية ذكرت لـ«الأخبار» أن نحو 40 من بين 700 مصاب حولوا إلى الخارج عادوا شهداء إلى قطاع غزة، مشيرة إلى أن هناك حالات أخرى خطيرة جرى نقلها إلى الضفة المحتلة عبر معبر بيت حانون (إيريز) الذي تتحكم فيه إسرائيل، والأخيرة أسهمت في تقليل عدد المصابين المسموح لهم بالخروج لولا الضغوط الدولية عليها.

الطفلة رهف أبو جامع (6 سنوات) هي إحدى هذه الحالات، وقد أصيبت بشظايا باغتت عينها إثر صاروخ انفجر بالقرب من منزلها في مدينة خانيونس جنوبي القطاع خلال الحرب، ونُقلت إلى المستشفى الأوروبي ليومين، ولخطورة حالتها نقلت إلى مستشفى العريش في سيناء لاستكمال العلاج. تقول الصحافية ميرفت أبو جامع، وهي عمة رهف، إنهم واجهوا مشقة كبيرة في الطريق من معبر رفح إلى العريش بسبب الحواجز والكمائن الأمنية، «وهو ما ساهم في تعثر حالة رهف الصحية».
ووصل الحال بسائق سيارة الإسعاف، كما تروي أبو جامع، إلى أن يترجل أكثر من مرة لإزالة بعض الحواجز التي لا يقف عليها رجال الأمن الذين غالبا ما يتركون الحواجز الحديدية بعد انتهاء إجراءاتهم الأمنية. في مستشفى العريش نفسه لم تطل مدة إقامة الطفلة رهف، فهي ظلت ثلاثة أيام لم تلق فيها أي دعم طبي مناسب وبدأت حالتها تسوء يوما بعد يوم، لذلك لم تجد عمتها سوى صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي لتكتب فيها مناشدة أثمرت نقل الطفلة إلى مستشفى جامعة الزقازيق بعد أيام.
وتقول أبو جامع لـ«الأخبار»: «حتى الزقازيق لم يكن مستشفى بالمستوى المطلوب لكنه أفضل حالا من العريش، ومع عودة الإهمال والفوضى اجتهدنا كثيرا لتحويل الطفلة التي رزق بها والداها بعد 15 سنة من الحرمان إلى خارج مصر»، مستدركة: «إدارة المستشفى رفضت ذلك إلا بالتنسيق مع السفارة الفلسطينية لدى القاهرة، وأيضا السفارة لم تلق لنا بالا». واكدت في الوقت نفسه أن السفارة الفلسطينية لم تفعل أكثر من إرسال مندوبين لزيارة الجرحى في المستشفيات دون تقديم مساعدة حقيقية إليهم.
مدير وحدة العلاج التخصصي في وزارة الصحة في غزة، يحيى خضر، أوضح بدوره، أن ما يضطرهم إلى تحويل الإصابات خارج غزة هو العدد الكبير للجرحى الذي تخطى 11 ألفا، وقلة الإمكانات الطبية. وأضاف لـ«الأخبار»: «في البداية لم يكن أمامنا سوى مصر التي فتحت أبوابها منذ بداية الحرب، لكن المفاجأة أن الجرحى كانوا يودعون في مستشفى حكومي في العريش وكان الاهتمام بالجرحى قليلا»، ما دعا القائمين على الأمر في الجانب الفلسطيني إلى إيقاف تحويل الجرحى إلى مصر.
ويذكر خضر أنه في الوقت نفسه (بداية الحرب) كانت تُمنع الوفود الطبية من الدخول إلى غزة، «ما مثّل ضغطا كبيرا، فعمل بعض المصريين على إعداد مستشفى متخصص لاستقبال جرحى غزة يباشر فيه أطباء الوفود عملهم، الأمر الذي حسّن الأداء الطبي هناك».
صعوبات مشابهة واجهها المرضى الذين جرى تحويلهم إلى المستشفيات التركية لأنه كان عليهم العبور من خلال «إيريز» شمال قطاع غزة، وخاصة في ظل المماطلة الإسرائيلية بإصدار تصاريح لهم، إضافة إلى طول الوقت وهم ينتظرون على المعبر لدخول سيارات الإسعاف، فضلا عن إجراءات التدقيق الأمنية الإسرائيلية قبل السماح للمريض باجتياز المعبر، كما لم يسلم بعض العائدين من الاعتقال في مطار بن غوريون كالمصاب غسان عبد النبي (22 عاما) قبل أيام.
نسرين الرزاينة رافقت أختيها المصابتين غادة (18 عاما) وأمل (23 عاما) حيث نقلتا إلى المستشفى العسكري التركي نظرا إلى حالتهما الحرجة، وكانت نسرين في بيروت قبيل اندلاع الحرب، ما سهّل عليها الوصول إلى تركيا. هناك أُجريت للفتاتين عدة عمليات، الأولى انتهت ببتر ساق غادة، فيما أمل أجريت لها تسع عمليات ولا تزال حالتها صعبة. تقول نسرين لـ«الأخبار»: «برغم المعاملة الطيبة التي نتلقاها، فإن سوء حالة شقيقتي تحول دون تفاؤلي»، مشيرة إلى أن هناك بعض المصابين ممن جرى نقلهم إلى تركيا حالاتهم بسيطة، وأن هناك من هو أولى بالوصول للعلاج في الخارج.