غزة | ليس كل من مات في غزة فلسطيني الجنسية بالضرورة، فهذه المدينة التي آلمتها الحروب وقف إلى جانبها ومن داخلها جنسيات العالم. أغلب من قدموا إما كانوا متضامنين أو صحافيين ينقلون حقيقة ما يجري إلى دولهم وشعوبهم. وإن كان الاحتلال قد أعطى تسهيلات معينة لهم وحذرهم من الاقتراب من عدة أماكن، فإنهم بقوا عرضة للاستهداف، مثلهم مثل الفلسطينيين.
الصحافي الإيطالي سيمون كاميلي، أحد الذين داوموا على الحضور إلى غزة، خاصة في وقت الحرب. مضى من العدوان أكثر من شهر حتى حلت تهدئة لعدة أيام، قرر فيها أن يخرج لتفقد آثار العدوان. الرحلة الأخيرة كانت مع وحدة هندسة وتفكيك المتفجرات التابعة لشرطة «حماس».
سيمون (35 عاماً) كان يعمل في وكالة «أسوشيتدبرس» الأميركية، وقدم إلى القدس المحتلة عام 2006 بصفة متدرب. تزامن قدومه مع الحرب بين حزب الله وإسرائيل، ما جعله يتقدم في عمله بعد إظهاره نشاطاً كبيراً في التغطية، إلى أن صار موظفاً رسمياً في الوكالة. هناك تعرف إلى امرأة هولندية وتزوجها في المدينة المحتلة، ثم انتقل ليستقر في لبنان قليلاً، حتى عاد إلى القدس، ومنها كان يغادر إلى غزة كلما سنحت الفرصة.
يقول صديقه، إبراهيم الحسيني، وهو صحافي فلسطيني من القدس، إن سيمون كان محباً للشعب الفلسطيني ويهتم بمتابعة ما يجري في فلسطين، حتى على المستوى السياسي الداخلي. ويشير، خلال حديثه مع «الأخبار»، إلى أن «الصحافي الإيطالي الشهيد» أنجب طفلة سماها «نور». وقد عايش سيمون حربي 2009 و2012 في غزة وتابع مجرياتها ونقلها رغم المخاطرة الكبيرة.
وكانت آخر زيارة له إلى القدس قبل حادثة مقتله بيومين، ثم في نهار الثالث عشر من الشهر الماضي قرر مرافقة وحدة تفكيك المتفجرات لينقل الصعوبات التي تواجه ضباط الوحدة في عملهم، خاصة مع قلة الإمكانات التي يعملون بها، ولا سيما فقدانهم الدروع الواقية.
وتحديداً في بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، تجمع عدد من الصحافيين المحليين والأجانب لنقل صور الدمار إضافة إلى تفكيك بعض القنابل التي لم تنفجر، وفجأة حدث انفجار قوي من صاروخ كان ملقى بجانب أحد المنازل وتناثرت شظاياها لتقتل ستة من الموجودين، منهم سيمون، وتصيب صحافيين آخرين.
بعدما شيعه عدد كبير من الصحافيين العرب والأجانب، عاد سيمون إلى القدس محملاً في تابوت بعدما قتلته الصواريخ الإسرائيلية التي لا تزال كالقنابل الموقوتة، ومن المدينة المحتلة جاءت والدته قادمة من روما مع أخته وزوجته وابنته ليشاركن في دفنه.
كذلك استشهد في ذلك اليوم الصحافي علي أبو عفش الذي كان يعمل في مركز الدوحة لحرية الصحافة ويرافق الصحافي الإيطالي من أجل الترجمة، وأصيب المصور الفلسطيني حاتم موسى من الوكالة نفسها التي يعمل فيها سيمون بجراح خطرة. وكانت هذه الحرب هي الأعنف على الصحافيين أيضاً، إذ سجل استشهاد نحو 16 صحافياً وإصابة 70 آخرين، فضلاً عن الاستهداف المباشرة للمقارّ الصحافية.