تشرفت مخيمات العائدين الفلسطينيين في لبنان بزيارة الرسام الفلسطيني المبدع محمد الديري ابن مدينة غزة الصامدة والمقاومة والذي شارك في برنامج «Arabs Got Talent» واستمر منافساً حتى النهائيات. محمد الذي اذهل لجنة التحكيم كما الجمهور، بلوحاته التي جسدت السيدة فيروز والراحل وديع الصافي، كانت له قصة أخرى مذهلة في مخيم المية و مية جنوب لبنان.
ففي عام 2012 بينما كان الديري يقوم بجولة على المخيمات الفلسطينية تاركاً بصمته فيها عبر لوحاتٍ مختلفة يرسمها امام الناس، يمثل من خلالها أوجهاً عديدة للقضية الفلسطينية، وصل الى مخيم المية ومية و اختار حائطاً ليبدأ بالرسم عليه. هكذا، ما ان بدأ بالتخطيط للوحته، لكن التوتر ظهر على بعض الأشخاص الموجودين في المكان، ومنهم من كان مسلحاً من كلا الطرفين، اي فتح وحماس. طلب الفنان الديري ممن كانوا يساعدونه من حركة فتح تنظيف الحائط قبل ان يباشر بعمله، فهمّ من كان تابعاً لحماس في الحشد، طالبين منه ان يلتزم بنصف الحائط المحسوب على فتح وعدم التعدي على النصف الآخر المحسوب على حماس! تنبّه الديري «للحكاية» وبذكاءٍ طلب من المستنفرين وقتها، ان يسمحوا له بالرسم على الحائط كله بما فيه جزءهم، واعداً اياهم انهم سيكونون سعداء بالنتيجة النهائية. بصعوبة وبامتعاضٍ ظاهر، وافقوا على ذلك، لكن الانزعاج بدا واضحاً على وجوههم بخاصة عندما انهى الجزء الأول من اللوحة مظهراً الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار بحطته التاريخية المعتادة والتي لم تفارقه حتى آخر عمره.

فلسطين تصبح صعبة المنال مع ازدياد الخلافات



حاول البعض الاعتراض على ذلك، لكن الديري أصرّ على المتابعة متبسّماً وكأن شيئاً لم يحدث امامه، أو كأنه لم يلاحظ شيئاً يعيقه عن المتابعة برسمته، مضيفاً على لوحته علم فلسطين بشكله المرفرف، ما زاد من حدة توتر المراقبين له. وعندما شعر انه تمادى قليلاً في اشعال مشاعرهم المتخبطة، بدأ مسرعاً بالنصف الثاني من اللوحة، وما ان بانت علامات في الرسم تظهر تفاصيل معينة للشهيد الشيخ الشهيد احمد ياسين، حتى تبدلت الملامح فجأة، وارتاحت النفوس! فمن كان متأهباً يضع يده على السلاح، اقترب بلهفة ليحمل الرسام على الكرسي ويناوله عبوة «سبراي» الالوان او بخاخ التلوين!
هكذا، انهى الفنان الديري لوحته الجامعة والتصالحية، برسم المسجد الأقصى في الوسط، كمشهد يجمع بين الرمزين الراحلين.
وفي لقاءٍ مشوق مع الفنان منذ ايام، خلال زيارته لبيت العائلة في مخيم برج البراجنة، اخبرني ان تلك اللوحة هي من اكثر اللوحات التي لا ينساها بين تلك التي رسمها على جدران المخيمات، بسبب ما حصل خلال رسمها. كما عبّر بعفويته الحارة عن أمنيته في انهاء الانقسام الفلسطيني الى الأبد داخل أرواح الناس قبل ان يتم بشكله الرسمي، لأن فلسطين تصبح صعبة المنال مع ازدياد الخلافات بين الفصائل، وتبتعد عنا اكثر كلما نجح العدو الصهيوني في شرذمة شعبنا هنا وهناك.
ويضيف الفنان الغزاوي: «ان كان باستطاعة لوحة على احد الجدران ان تجمع وتوالف بين مؤيدين للطرفين المتخاصمين دوماً على الساحة الفلسطينية، فلماذا لا نكثر من الأعمال التي توحدنا شيئاً فشيئاً حتى تحقيق وحدتنا المنشودة؟».