تحاول السلطة الفلسطينية الخروج من المآزق التي توالت عليها بعد تعثر مفاوضات التسوية مع الجانب الإسرائيلي وشنّ الأخير حرباً كبيرة على غزة. منذ ذلك الوقت أعلن رئيس السلطة، محمود عباس، عزمه على خوض تحدّ سياسي جديد عنوانه «دولة فلسطينية على حدود عام 1976»، وأرسل في سبيل ذلك وفداً للقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خرج عنه خطة عرضها كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات على كيري في واشنطن.
وقال عريقات، بعد الاجتماع الذي حضره رئيس المخابرات ماجد فرج، إنه سلّم الأميركيين رسالة من القيادة الفلسطينية تتعلق بوجوب إنهاء الاحتلال ضمن سقف زمني محدد وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية «لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل»، على أن يستمر الحوار خلال الأسبوعين المقبلين. لكن مصادر نقلت أن الأميركيين طلبوا وقتا لبحث المطلب مع رفضهم أي «خطوات أحادية».
وبينما لم تسفر هذه الخطوات عن أي تطور جدي، أعلنت حركة «النهضة» في تونس، المنضوية ضمن إطار «الإخوان المسلمين»، أنها تلقّت أمس رسالة من عباس طلب فيها من زعيم الحركة راشد الغنوشي التدخل لنزع فتيل الخلافات بين حركة «حماس» و«فتح»، بعد أن عاد التوتر بين الحركتين إثر الخلاف على إدارة إعمار قطاع غزة ووجود السلطة هناك. وأضافت «النهضة»، عبر صفحتها في «فايسبوك»، إن «فتح» أبدت استعداداً لتقديم كل التنازلات التي تقتضيها وحدة الصف الفلسطيني «اقتداءً بتجربة النهضة».
في قضية الإعمار، أكد رئيس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)، محمد اشتيه، أن عملية إزالة الركام وإعادة البناء في غزة تحتاج إلى توافر ثلاثة شروط؛ الأول رفع الحصار، والثاني «فرض سلطة السلطة لتصبح مسؤولة كلياً عن الإعمار وكل مكونات الحياة في القطاع»، وأخيراً توافر الأموال اللازمة.
وذكر اشتيه أن التكلفة الإجمالية لإعادة إعمار غزة تصل إلى 7,8 مليارات دولار، «منها 5 مليارات للإعمار والباقي للتنمية والتطوير». وأفاد، في مؤتمر صحافي، أن حجم الدمار في غزة من 1,8 إلى مليوني طن من الركام، «لذلك فإعادة الإعمار ستستغرق خمسة أعوام في حال رفع الحصار عن غزة». ورداً على تساؤلات بشأن رواتب موظفي غزة، أجاب: «شكلنا في المجلس المركزي لفتح لجنة لبحث القضايا المتعلقة بالشأن الداخلي خلال شهر»، مؤكداً أنه «إما أن تكون السلطة مسؤولة عن كل الأمور في غزة وإما فلا».
في المقابل، دعا رئيس المجلس التشريعي بالإنابة، أحمد بحر، محمود عباس إلى تسلّم المعابر والشريط الحدودي مع مصر «للإسراع في فتح معبر رفح»، نافياً وجود حكومة ظل في قطاع غزة. واتهم بحر، وهو نائب عن كتلة «حماس»، حكومة الوفاق بالتقصير في أداء مهماتها تجاه القطاع. هو المطلب نفسه الذي وجهه إلى «التوافق» نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، كاشفاً أن هناك اجتماعاً ثلاثياً بين السلطة والأمم المتحدة والاحتلال يمكن أن تصدر عنه قرارات بشأن الإعمار وإدخال مواد البناء.
وبالعودة إلى خطة السلطة بشأن الدولة (علي حيدر)، ذكرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن الأزمة الأخيرة في العلاقات بين تل أبيب وواشنطن أثارت خشية لدى المسؤولين الإسرائيليين من أن تتعاطى الولايات المتحدة بإيجابية أو حياد مع مطلب أبو مازن، لذلك تتخوف إسرائيل من أن يدفع ذلك الأميركيين إلى الامتناع عن استخدام حق النقض «الفيتو» إزاء مشروع السلطة الذي تعتزم تقديمه في مجلس الأمن الدولي.
وينوي عباس تقديم خطة للسلام إلى وزراء الخارجية العرب في السابع من الشهر الحالي في القاهرة، وتبنى الخطة على استئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي خلال تسعة أشهر، وتحقيق الانسحاب من الأراضي المحتلة في ما لا يتجاوز ثلاث سنوات، في إطار قرار دولي صادر عن مجلس الأمن الدولي.
في المقابل، رأى وزير الاقتصاد ورئيس البيت اليهودي، نفتالي بينيت، أن خيار الدولة الفلسطينية سقط كلياً خلال الشهرين الماضيين، ودعا كل مؤيدي هذا الخيار إلى التراجع عن مواقفهم، خاصة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو. وقال بينيت، في مقابلة مع «معاريف»، سوف تنشر كاملة اليوم، إن موقف نتنياهو الذي دعا فيه إلى خيار الدولتين «ألحق ضرراً كبيراً بإسرائيل».
أما عن الإعمار، فتواصل إسرائيل خنق غزة تحت عناوين متعددة. هذه المرة جاء الفعل بشعار بلورة آلية تهدف إلى فرض شروط صارمة على إدخال مواد البناء إلى غزة. ووفق موقع «واللا» العبري، تعمل الأجهزة الأمنية على بلورة آلية يتوقع أن تشمل إعادة فتح معبر رفح، ونقل مواد بناء من إسرائيل في ظل مراقبة مشددة. وأضاف الموقع أن إسرائيل ستسمح «بطريقة مفاجئة» بتحويل الرواتب إلى موظفي «حماس». كذلك، ذكر الموقع أن طاقم المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين سيصلون إلى القاهرة قريباً لعرض مطالبهم واستئناف مفاوضات وقف النار.
ونقل مسؤول إسرائيلي عن منسق عمليات الحكومة في المناطق الفلسطينية، اللواء يوآب مردخاي، أنه شكّل بالتعاون مع موفد الأمم المتحدة، روبرت سيري، آلية لإدخال مواد البناء إلى غزة وإخضاعها لعملية مراقبة حازمة «حتى لا تستخدم في بناء الأنفاق». وهذه الآلية يجري بموجبها تقديم كل من يريد البناء طلباً وخريطة إلى وزارة الجيش مع قائمة بكميات الحديد والأسمنت وغيرها من المواد اللازمة. أما الوزارة فستفحص أن الكمية المطلوبة واقعية، وبناءً عليه ستقرر إدخال المواد. كذلك يجب في المراقبة وجود إشراف على البناء وضمان ألا تسرق مواد البناء. وبشأن المواد التي يمكن استخدامها لأهداف مزدوجة، كأنابيب الحديد بقطر معين، والمواد الكيميائية وآليات الثني والخراطة، فهي لن تدخل «عن طريق إسرائيل ولا المعبر المصري»، واختتم المصدر بتأكيد تعزيز الرقابة على البحر.
(الأخبار، رويترز)