تونس | حوالي ستة آلاف تونسي قدّموا ترشحهم ضمن ١٥٠٠ قائمة ستتنافس للفوز بعضوية بـ 217 مقعداً في مجلس النواب. عدد مهول كشف عنه رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد شفيق صرصار، يؤكد «جنون» المشاركة السياسية الذي أصاب التونسيين بعد خلع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وقال صرصار، في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس عشية إغلاق باب الترشيحات، أنه سيتم انتداب حوالي ستة آلاف شاب لإدارة مكاتب الاقتراع في ٢٦ تشرين الأول المقبل، سيتوزعون على ٤٥٣٥ مكتباً داخل البلاد و٤٦٨ خارجها، وسيكون هناك ١٠٥٦٧ مركز اقتراع داخل البلاد و٥٤٩ خارجها. ووصل عدد القوائم المترشحة إلى ١٥٠٠ قائمة، منها ٨٩٠ قائمة حزبية، و٤٥٩ قائمة مستقلة، و١٥١ قائمة ائتلافية، فيما سيشكل يوم ٥ أيلول الجاري الموعد النهائي لضبط القوائم إثر تقديم الطعون وإجراء كل عمليات التثبت والمراجعة، وذلك وفقاً للبنود التي ينص عليها القانون الانتخابي.
الموعد الانتخابي الذي ينتظره التونسيون سيكون حاسماً. فهذه المرة لن ينتخبوا مجلساً تأسيسياً لكتابة دستور ــــ استمر ثلاث سنوات خلافاً للقانون ــــ بل سينتخبون مجلس نواب الشعب (البرلمان) لمدة خمس سنوات، وستكون الحكومة مسؤولة أمامه. أما رئيس الجمهورية المقبل، والذي ستكون ولايته خمس سنوات أيضاً، فسينتخبه الشعب عن طريق الاقتراع المباشر وليس عبر المجلس الوطني التأسيسي كما هي حال الرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي.

وزير الداخلية
يحذر من تهديدات «إرهابية» تستهدف الانتخابات

وفي وقت اعتقد عدد كبير من المحللين أن «القوى الديموقراطية»، التي لم «تتجاوز الصفر فاصل» كما كان يحلو لـ«حركة النهضة» وصفها بتهكم، فهمت الدرس، وهي ستدخل الانتخابات موحدة، إلا أنه في الواقع يبدو أن لا شيء تغير باستثناء محاولات «الجبهة الشعبية» أو «الاتحاد من أجل تونس»، فيما حافظت «حركة النهضة» على تماسكها، الأمر الذي ستكون له انعكاسات على النتائج.
الصورة الظاهرة من الاستعداد للانتخابات التي ينتظرها التونسيون منذ عامين للوصول إلى وضع دائم يقطع مع المرحلة «الانتقالية» فيها الكثير من الاحتفالية، إذ أن التجربة التونسية، قياساً بتجارب ما عرف بـ«الربيع العربي»، تعتبر مثالية باعتبارها «أقل فداحة» في مجال الحفاظ على مستوى الاستقرار في ظل «حروب الأخوة الأعداء». وفيما يحسب للتونسيين حفاظهم على استقرار مؤسسات الدولة برغم تراجع أدائها، لكن هذه الصورة الوردية تخفي حقيقة ظهرت في حديث وزير الداخلية لطفي بن جدو أول من أمس. إذ أعلن بن جدو، في «ندوة الولاة»، أن «هناك تهديدات إرهابية جدية تستهدف أساساً الانتخابات، لتسقط البلاد في الفوضى، بما يمكّن الخلايا النائمة بالتالي تنفيذ مشروعها الذي تحلم به والذي تعد له في نطاق إقليمي ودولي مستفيدة من الوضع في ليبيا. وقال وزير الداخلية التونسي إن «جهودهم (الإرهابيين) منصبة على القيام بضربات تستهدف سلامة الانتخابات»، مستدركاً «وإن شاء الله لن نمكنهم من ذلك».
وفي السياق ذاته، قال رئيس الحكومة مهدي جمعة إن هناك دولاً، لم يسمها، لا ترتاح للتجربة التونسية وتسعى إلى إجهاضها عن طريق بعض المجموعات المتطرفة. لكن جمعة، الذي كان يتحدث في الندوة نفسها، طمأن التونسيين إلى أن الدولة قوية وقادرة على ضمان الاستقرار ولن يخيفها عدد من «الإرهابيين»، مؤكداً أن حكومته ستسلم الحكم إلى «حكومة منتخبة من الشعب التونسي».
تصريحات رئيس الحكومة ووزير داخليته، وإن كانت تمثل رسائل طمأنة للتونسيين وحتى للدول التي ترعى التجربة التونسية، إلا أن المخاوف لم تغادر الشارع التونسي. إذ أن عامين من حكم «الترويكا» شكلتا فرصة حقيقية لانتشار تهريب السلاح وتعاظم نفوذ السوق السوداء والجريمة المنظمة ومافيا المال الفاسد وبارونات السلاح والمخدرات. وهؤلاء ليس من مصلحتهم استعادة الدولة لهيبتها وانتخاب حكومة من رحم الشعب الذي يتطلع إلى حكومة تحقق له ما ثار من أجله في الحوض المنجمي عام ٢٠٠٨ وفي بنقردان عام ٢٠١٠ وفي كامل البلاد بين ١٧ كانون أول ٢٠١٠ و١٤ كانون الثاني ٢٠١١، والذي انتهى بسقوط بن علي، لكن مطالب هؤلاء بقيت معلقة ووضع البلاد ازداد سوءا.
فهل ينجح التونسيون في إنقاذ بلدهم من خراب «الربيع العربي» الذي كانوا أول من بشّر به؟ أم تتحرك الخلايا النائمة وتسقط بلاد ابن خلدون والشابي والطاهر الحداد وبورقيبة في فوضى لا أحد يعلم نهايتها؟