لا تزال مظاهر الاحتفال الفلسطينية بالنصر متواصلة لليوم الثالث على التوالي منذ انتهاء العدوان، وخاصة أن صلاة الجمعة تعقبها حشود كبيرة خرجت أمس في مدن الضفة والقدس والمحتلة وغزة. ونظمت حركة «الجهاد الإسلامي» في غزة أول مسيرة لها منذ وقف الحرب، وكان لافتاً فيها الحضور العسكري على مستوى العرض الميداني أو خروج القيادات العسكرية، التي حاول الاحتلال اغتيالها وقصف منازلها، بوجوهها إلى جانب القيادات السياسية، ومنهم مسؤول العلاقات الخارجية، خالد البطش، الذي كان مشاركاً في وفد القاهرة وعاد إلى القطاع.
وانطلقت المسيرة من المسجد العمري وسط غزة يرافقها آلاف من عناصر سرايا القدس، الذراع العسكرية للحركة، مع أن مرور ثلاثة أيام على عقد الهدنة لا يلغي المخاطر الأمنية على خروجهم، لكن ظهورهم مع متحدث عسكري ملثّم يدعى أبو حمزة أضفى جواً كبيراً من الفرحة على الناس الذين أخذوا يلتقطون الصور مع المقاومين ويقبلون رؤوسهم.
أما أبو حمزة، فأكد في كلمته «قدسية سلاح المقاومة، مشدداً على أن المقاومة ستضاعف جهدها في التجهيز للمعركة المقبلة، وخاصة أن إنتاجها للسلاح لم يتوقف خلال الحرب نفسها، وأعرب عن أمله في معركة التحرير، موجهاً التحية إلى «الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة اللبنانية (حزب الله) والجمهورية السودانية» على دعمهم المقاومة.

زيادة ملحوظة
على عدد الشاحنات التي تدخل غزة من الأراضي المحتلة



وقدّم المتحدث باسم السرايا التحية للشعب الفلسطيني «الذي احتضن المقاومة، ولولا ذلك لما تحقق النصر»، ثم التفت إلى الضفة المحتلة ووصفها بالثائرة هي وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48. ولم يفته شكر «رفاق السلاح في الفصائل كافة خاصة الشقيقة كتائب القسام»، وأيضا حيّا «رجال الإعلام في جميع المواقع والفضائيات وأولها فضائية الميادين، وفلسطين اليوم، والمنار، والأقصى، ومعا».
كذلك تحدث عن الجانب السياسي خالد البطش خلال خطبة الجمعة، وعضو المكتب السياسي للحركة، محمد الهندي، في كلمة لاحقة، وأكدا فيهما أن «سلاح المقاومة خط أحمر لا يمكن القبول بوضعه على طاولة المفاوضات». ووجه الهندي التحية إلى دول في أميركا اللاتينية وغيرها ممن دعم المقاومة ووقف بجانبها «على خلاف النظام الدولي الذي يجب أن يطأطئ رأسه خجلاً من الجرائم التي ارتكبتها باسمه إسرائيل».
وأضاف مخاطباً السلطة الفلسطينية: «اتفاق أوسلو تم تشييعه إلى مثواه الأخير غير المأسوف وهو دفن تحت ركام غزة، لذا لا يجب أن يستمر التنسيق بين السلطة والعدو». وأكد القيادي في «الجهاد» أن «العدوان في غزة لم يكن على حركة حماس فقط، بل على فلسطين الشعب والقضية وعلى الأمة وكل حر في هذا العالم».
وقبيل المسيرة أصدرت سرايا القدس إحصائيتها للحرب الأخيرة، موضحة أنها قصفت أهدافاً مختلفة بـ3249 صاروخاً وقذيفة «من بينها صواريخ براق 100 وبراق 70 وفجر 5 وغراد وقدس وقذائف هاون وصواريخ 107 وC8k». وعلى مستوى التصدي للعملية البرية، قالت إنها تمكنت من استهداف عدد من الآليات العسكرية والقوات الخاصة بصاروخي كورنيت، و4 صواريخ من طراز مالوتكا، وعشرات العبوات الناسفة وقذائف الـ RPG، إضافة إلى تنفيذ عدة عمليات قنص واشتباكات وكمائن.
ونعت أخيراً 121 من مقاوميها استشهدوا خلال الحرب، مؤكدة أن العدو اعترف ضمن حصيلته بمقتل ثلاثين جندياً وضابطاً إثر عمليات نفذتها.
على صعيد آخر، أعلنت مصادر طبية فلسطينية استشهاد مواطنين متأثرين بجراحهما، الأول في غزة والثانية جريحة تعالج في مصر، ما يرفع عدد شهداء العدوان إلى 2143 منهم 70% مدنيون. في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي أمس مقتل أحد جنوده متأثراً بجروح أصيب بها الأسبوع الماضي بعد سقوط صاروخ من غزة على مدينة أسدود جنوبي فلسطين المحتلة، وهو الرقيب نتنائيل ممان (21 عاماً).
في هذا الإطار، طالب المجلس التشريعي مصر بفتح معبر رفح بصورة دائمة لتسهيل سفر جرحى العدوان على غزة ووصول الوفود الطبية إليها، فيما قالت مصادر مسؤولة إن أعداد الشاحنات العابرة إلى القطاع من المعابر مع الأراضي المحتلة بدأت تزداد تدريجياً ووصلت أمس إلى حدود 300 لكن دون أن تكون محملة بمواد البناء.
كذلك، أعلنت وزارة التربية والتعليم في غزة أن العام الدراسي الجديد سيبدأ في 14 أيلول المقبل بعد تعطله بفعل الحرب الإسرائيلية، وخاصة أنه كان من المقرر له البدء في الـ24 من الشهر الجاري، وذلك لبقاء عدد كبير من النازحين في المدارس.
على الجانب الإسرائيلي (يحيى دبوق)، التقى رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، وفداً من أعضاء لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب الأميركي، برئاسة النائب هاورد باك ماكينون. وجاء الوفد أمس لشكر إسرائيل على موقفها من «الإرهاب»، وعلى أداء جيشها وتجنبها قتل المدنيين في غزة!
اللقاء، وفق الإذاعة العبرية، كان مناسبة لنتنياهو كي يطلق مواقف تحسن صورته أمام الخارج، وإظهار المعركة في غزة ضمن سياق الحرب القائمة في المنطقة على ما سماه «الإسلام السياسي المتطرف».
ووجه نتنياهو كلامه إلى الوفد الأميركي بتأكيد «وجود عدو مشترك»، ومساواة حركة «حماس» في غزة بتنظيم الدولة الإسلامية، وقال: «لدينا أعداء مشتركون، وهم إرهابيون ينتمون إلى الإسلام المتطرف... نشاهد المجازر الجماعية التي ترتكبها داعش، وهذا بالضبط ما ارتكبته حماس في غزة».
أما رئيس الوفد الأميركي، النائب ماكينون، فرقص على ألحان نتنياهو، وشكره على موقفه من «الإرهاب»، معتبراً أن تصرف الجيش الإسرائيلي حيال القطاع، هو «أمثولة يقتضي الاقتداء بها»، وقال: «شكراً على وقوفك ضد أعداء الإنسانية، وهم ناس لا يحترمون الحياة ويريدون أن يستولوا على العالم بكل الوسائل الممكنة».
في سياق متصل، أعربت وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، عن اعتقادها بأن الحل العسكري مع غزة لن يجدي نفعاً «من دون إجراءات سياسية تلحظ عودة السلطة الفلسطينية إليها»، وذلك في وقت قال فيه رئيس أركان الجيش، بني غانتس، إن القيادة السياسية أحسنت الصنع «حينما قبلت توصيات الجيش ولم تأمر باستئناف العملية البرية»، مؤكداً أن عملية مماثلة كانت ستسبّب أثماناً كبيرة لإسرائيل.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)