عزت حركة «حماس» موافقتها على وقف النار إلى أسباب تقول إنها تعود إلى المسؤولية المجتمعية عن الشعب الفلسطيني، لكن الأهم طبيعة الظروف الإقليمية التي لم تصب في مصلحتها. فعلى عكس ما كانت عليه الظروف في عدوان 2012 بإسناد مصري وتوجه وزراء دول عربية إلى غزة بعد ثمانية أيام، لم تجد «حماس» من يعينها برغم 51 يومًا من الحرب. حتى وفد «الجامعة» لم يصل.
يصرح قيادي بارز في الحركة، تحفظ على ذكر اسمه، أن قيادة «حماس» وصلت إلى قناعة بأن النظام العربي الرسمي غير آبه بكل مجريات الصراع في الأراضي الفلسطينية، «بل فرضت بعض القوى فيتو على وجود أي وساطات غير المبادرة المصرية»، لكنه لم ينكر أنهم حاولوا الحرص حتى اللحظات الأخيرة على بقاء الدور المصري وتجاوز الخلاف مع القاهرة.
ومع اشتداد العدوان واستهداف الأبراج السكنية، كان الضغط الميداني قد وصل إلى أعلى ذروته، فضلا عن ضغط سياسي تسلل إلى داخل أعضاء الوفد، «فرأى ممثلوا منظمة التحرير وحركة الجهاد ضرورة قبول المبادرة المصرية لتجنب أي سيناريوهات أعنف».
ومن منطلق أن منع الاحتلال من تحقيق أهدافه كان بمنزلة نصر، توصلت القيادة، وفق قوله، إلى نتيجة مفادها الاكتفاء بما جرى وإيقاف حرب الاستنزاف، كما شدد القيادي على حرص حركته على الناس والموافقة على قرار يحمي شعبها. في المقابل، أشار إلى أن ثمة انجازا مهما هو إعلان ضرورة وجود ضمانات بشأن المعابر وإعادة البناء والإعمار والإغاثة الفورية للقطاع.
وحاول تلخيص المشهد بالقول: «لم نتمكن من تحقيق أهدافنا كلها، لكننا نجحنا في إحباط أهداف العدو». أما عن مسألة الممر المائي التي تبنت الذراع العسكرية، كتائب القسام، تحقيقها، رأت قيادة «حماس» السياسة أنه لا مشكلة من بقاء القضية للطرح السياسي «وخاصة أنه لا اعتراض دوليًا أو اقليميًا على أن تتولى حكومة التوافق الإشراف عليه».
على أي حال، نظرت «حماس» وقيادتها الموجودة في الدوحة، أن مدة شهر أمر مهم بالنسبة إلى الغزيين، «وهي ستكون جيدة لاختبار بنود الاتفاق أيضا»، كما يقول، ثم يضيف: «لا نريد أن تبدو حماس أنها المعرقل للتوصل إلى حل».
وبالنسبة إلى حماس فإنها قبلت أن تكون مصر هي الضامن لهذا الاتفاق، ولكنها لم تجفل عينها عن سلاحها الذي تملكه ليبقى ضامنًا حقيقيًا لتطبيق أي اتفاق تشعر بانه لا يلبي مطالب أبناء شعبها. ومن اللافت إشارة القيادي إلى أن صياغة مبادرات سياسية على غرار ما جرى مع حزب الله في 2006، سيناريو تتفاداه الحركة، «وهي لا تريد الاصطدام مع قوى دولية هي بغنى عن مواجهتها حاليا». ولم يعلق على بقاء وفد «الجهاد» في القاهرة، لكنه قال: «في اللحظات الأخيرة لا يمكنك أن تنتظر المزيد من المفاجآت، وخاصة على الصعيد السياسي، كما كانت وحدة الموقف الفلسطيني أهم بالنسبة إلينا من أي شيء آخر». وذكر أن رئيس السلطة محمود عباس أرسل عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، إلى الدوحة قبل انتهاء الحرب، «وأبلغ خالد مشعل ضرورة الموافقة على المبادرة المصرية».
ومقابل إصرار عباس على الدور المصري، رضيت «حماس» بما جرى، مع أن القيادي لم ينكر بحث الحركة عن محاولات سياسية عبر وسيط آخر لديه القدرة على إعلان مبادرة أكثر انحيازًا إلى حقوق الفلسطينيين، وكذلك لم يخف حجم الضغوط التي تعرضوا لها داخليًا وإقليميًا للموافقة على هذا الاتفاق.