ليس أمراً قليل الدلالة أن يلجأ رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، إلى أسلوب التسلّل كي يُهرِّب قرار وقف النار بعيداً عن موافقة المجلس الوزاري المصغر. مع ذلك، يبقى الأهم البحث في الأسباب التي دفعته إلى هذه الخطوة، مع أنه أحوج ما يكون إلى تأمين غطاء سياسي لقرار مفصلي مثل وقف الحرب. لكن إدراك نتنياهو أن أي جلسة لمناقشة اتفاق وقف النار ستتحول إلى ساحة للنزال، يكشف حجم الفشل الإسرائيلي في الحرب.
لذلك لم يبقَ أمامه سوى خيار الالتفاف عبر استشارة وفّرها له المستشار القانوني للحكومة، وتبرّر له الاستفراد في القرار استناداً إلى التفويض الذي سبق أن منحه إياه المجلس الوزاري المصغر نفسه.
وبناءً على أن نتنياهو أدرك أن طاولة المجلس المصغر ستتحول إلى منبر لتصفية حسابات سياسية، حاول أن يحرم خصومه هذه الفرصة، لكنه من حيث لا يشعر وفّر لمنافسيه أيضاً فرصة الجمع بين الذهاب بعيداً في التعبير عن معارضتهم لقرار وقف النار، من دون أن يترتب على مواقفهم أي مسؤولية. وهو ما يرجح فرضية أن يكون جميع الوزراء راضين عن النتيجة، بمن فيهم المعارضون للقرار. من جهة، توقفت عمليات إطلاق الصواريخ تجاه المستوطنات، ومن جهة أخرى، ينجون (الوزراء المعارضون) من الاضطرار إلى اتخاذ موقف حاسم، إما تأييداً له، وإما تحملاً لمسؤولية استمرار المواجهة.

استفاد معارضو الاتفاق من وقف
الحرب ليرفعوا أسهمهم السياسية


في كل الأحوال، لم يعد السؤال عن نتائج الحرب على غزة لجهة التداعيات السياسية الداخلية على الساحة الإسرائيلية، بل عن المدى الذي ستبلغه وحدوده. الأمر المؤكد الآن أن نتنياهو الذي روَّج على مدى سنوات لصورة الزعيم القادر على مواجهة التحديات الماثلة أمام «الدولة العبرية»، بدءاً من البرنامج النووي الإيراني وانتهاء بقوى المقاومة في غزة ولبنان، قد تهشّمت وباتت تحتاج إلى إعادة ترميم.
في المقابل، فإنه من غير المؤكد أنه سيحظى بفرصة إضافية لاستعادة ثقة الجمهور به الذي منحه إياها في أكثر من محطة وأوصله بها إلى رئاسة الوزراء على وقع شعارات محاربة الإرهاب ومعالجة التهديدات الاستراتيجية والوجودية.
في هذه الأجواء، ومع توقف أصوات المدافع والصواريخ، علت أصوات السياسيين، وما دام الأمر سيخدمهم على مستوى تسجيل النقاط السياسية والشعبية، سيواصل هؤلاء، وأولهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ووزير الاقتصاد نفتالي بينيت، توجيه سهامهم السياسية. في الوقت نفسه، سيبقون في الحكومة. وسيعملون على «نسخ» شعارات نتنياهو التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة خلال انتخابات 2006، و 2009، وذلك في محاولة لتكرار السيناريو نفسه على أمل أن يحقّق لهم ذلك طموحاتهم السياسية والشخصية.
على طرف نتنياهو، من المرجّح أن يعمد الرجل إلى محاولة توسيع نطاق الحكومة عبر إدخال الكتل الحريدية وحزب «العمل»، أو أحدهما. وليس لهذه الخطوة سوى هدف تضييق هامش ابتزاز خصومه من اليمين المتطرف، أكان ذلك داخل حزبه أم من حزبي «البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا».
مع ذلك، يبقى مسار الأمور مرهوناً بمدى تجاوب هذه الكتل: هل سيرون في ضعف نتنياهو فرصة للانضمام إلى الحكومة بأثمان مرتفعة، أم سيفضلون الاستمتاع بمشهد غرق المركب بمن فيه؟
ولمشهد الغرق تداعياته، ومنها انتقاد ليبرمان المتواصل لقرار وقف النار الذي اتخذه نتنياهو، فالأول أكد أن «من الممنوع التوصل إلى تسويات مع حماس»، وشدّد على أنه يعارض التوصل إلى اتفاق يسمح للحركة بمراكمة قدراتها، ما يمكّنها لاحقاً من إدارة معركة إضافية ضد إسرائيل في التوقيت الذي تراه مريحاً لها.
وقال ليبرمان: «ما دامت سلطة حماس موجودة، فإن تهديد الصواريخ والأنفاق سيبقى، لذلك نحن ملزمون بالإصرار على أن لا تحقّق أي إنجاز سياسي على خلفية اتفاق وقف النار». ورأى ليبرمان أن «حماس ليست شريكاًَ في أي تسوية من أي نوع كانت، لا سياسية ولا أمنية».
في سياق الانتقادات اللاذعة، رأى الوزير، عوزي لانداو، أن المشكلة التي نشأت بسبب المس بقدرات الردع خلال الحرب على غزة، هي «وجود حزب الله وإيران على المدرج، وهم يرون كيف أن إسرائيل لم تتمكن من هزيمة حماس طوال 50 يوماً»، مكملاً: «هم يشاهدون نظريتنا القتالية، ويرون ردنا على الصواريخ، وسوف يدرسون ذلك ويطورون وسائل مضادة».
كل هذا لم يكفِ في وجه نتنياهو أو لم يقتصر على اليمين المتطرف، فقد كان لوزيرة القضاء، تسيبي ليفني، موقفها أيضاً. ورأت فيه أنه «كان يجب أن يتضمن (الاتفاق) مبادئ تجريد قطاع غزة من السلاح ومنع تعاظم حركة حماس عسكرياً، وإقامة آلية مراقبة ناجعة».
من جهته، رأى عضو الكنيست عن حزب «يوجد مستقبل»، عوفر شيلح، أن «عملاً عسكرياً يقاس في نهاية المطاف بما ينجز في العملية السياسية». وقال إن «السؤال هو ما الذي ستفعله إسرائيل الآن، وخصوصاً أن هناك فرصة سياسية».