ليبيا محطّ الاهتمام الدولي من جديد، وأخبارها التي اقتصرت منذ فترة على الأزمة السياسية الداخلية التي تزيدها الانقسامات بين برلمانين وحكومتين، اتساعاً، عادت لترتقي سلّم الأولويات والتجاذبات بين اللاعبين الإقليميين والدوليين على صعيد آخر, بعدما أكدت الولايات المتحدة رسمياً، أمس، أن الإمارات ومصر شنتا في الفترة الأخيرة ضربات جوية، استهدفت ميليشيات إسلامية في ليبيا. وأكد المتحدثان باسم وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأميركية ما كشفه مسؤولون أميركيون سابقاً حول هذا الموضوع.
وفيما التزمت أبو ظبي الصمت إزاء هذه التقارير، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكرى، أن بلاده «ليست متورطة في أي عمل عسكري أو لها وجود عسكري في ليبيا»، مشدداً على أن القاهرة تدعم الشرعية المتمثلة في البرلمان الليبي.
وقال شكري، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع كل من رئيس الأركان الليبي عبد الرزاق الناظوري ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة عيسى ووزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز في مقر وزارة الخارجية المصرية في القاهرة: «ليس لنا اتصال مباشر إلا مع الأجهزة الشرعية، وليس كل ما تذكره وسائل الإعلام، يحظى بالصدقية». غير أن شكري أكد أن مصر «تدعم القوات المسلّحة الليبية من خلال (منحها) المهمات والتدريبات»، التي تحتاج إليها.

أكدت «فورين
بوليسي» أن واشنطن كانت تعلم بأمر الغارات


ورغم أن وكالة «فرانس برس» نقلت عن مسؤولين أميركيين تأكيدهما، أن الولايات المتحدة لم تشارك، لا مباشرة ولا غير مباشرة في الغارات، إلا أن مجلة «فورين بوليسي»، أكدت أن الولايات المتحدة كانت تعلم بالأمر.
ونقلت المجلة عن ضابط البحرية الأميركية السابق كريستوفر هارمر، قوله إن «البحرية الأميركية لديها كثير من السفن في الخليج والبحر المتوسط، ومن غير المحتمل أن تقوم الإمارات بهذه الخطوة من دون أن تعرف بها الولايات المتحدة».
وأضاف هارمر أنه ليس لديه معلومات عن التدخل الأميركي، «لكن الحكومة الأميركية تعرف من قصف ماذا»، لافتاً إلى أنّ من الممكن أن تكون الإمارات قد تصرفت من دون معرفة مصر، وأن طائراتها يمكن أن تكون قد هربت من مراقبة حركة المرور الجوية المصرية التي وصفها بـ«السيئة».
وأضيف، أمس، تنديد آخر إلى التنديدات الدولية حيال ما يجري في ليبيا. وإن استنكرت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون، بـ«شدة» احتدام المعارك، مطالبة بمواصلة العملية الديموقراطية في البلد الغارق في الفوضى، فإنها أدانت التدخلات الخارجية في ليبيا، معتبرة أنها «تغذي الانقسامات».
وجدّدت هذه الدول، في بيان، دعوتها «لكي توافق جميع الأطراف على وقف النار فوراً وبدء العملية الديموقراطية بطريقة بناءة». وأكدت أن «المسؤولين عن العنف وإجهاض العملية الديموقراطية والأمن الوطني الليبي يجب محاسبتهم»، مرحبة بانعقاد مجلس الأمن الدولي حول ليبيا، في الأيام المقبلة.
وأدان المتحدث باسم الشؤون الديبلوماسية للاتحاد الأوروبي، في بيان «بشدة احتدام المعارك في طرابلس وبنغازي وكل ليبيا، وخصوصاً الهجمات على المناطق السكنية مع غارات جوية تشنها مقاتلات لا تعرف هويتها».
وأضاف البيان: «نرفض تنفيذ أهداف سياسية من خلال استعمال القوة المسلحة، ونشدّد على أن حواراً سياسياً هو الحل الوحيد لإدارة الأزمة الحالية». وأضاف: «نعترف بالشرعية الديموقراطية للبرلمان، ونشدّد على أن عليه أن يبذل أقصى الجهود كي يمثل جميع الليبيين».
كذلك، أعلن قائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ديفيد رودريغيز، أن بلاده لا تدعم فكرة تدخل قوات أجنبية في ليبيا. وقال في مؤتمر صحافي عقد في تونس بعد لقائه رئيس الوزراء مهدي جمعة، إنه «يجب أن يكون هناك حلّ سلمي في ليبيا، ونحن لا ندعم فكرة تدخل قوات أجنبية».
الخبير المتخصص في شؤون الخليج وليبيا والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط فريديريك ويري، أعرب عن اعتقاده لوكالة «فرانس برس»، بأن هذه الضربات «هي نتيجة غير مفاجئة لاندفاعة مصر وبعض دول الخليج المتعاظمة في ليبيا والمنطقة». وأضاف الخبير في معهد «كارنيغي» للسلام الدولي: «أعتقد أنه لم يحصل تشاور مع الغرب».
وفي ظل توجه أنظار الدول الغربية إلى العراق وسوريا، ونظراً إلى التردد الأميركي الأوروبي إزاء أي تحرك ضد النظام السوري، ارتأت مصر والإمارات بشكل أحادي، بأنه يجب «اللجوء إلى هذا النوع من العمليات غير الاعتيادية»، بحسب المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله.
ورأى عبد الله أن لدى دول المنطقة قناعة متزايدة بأنه «لم يعد بالإمكان الاعتماد على الولايات المتحدة والغرب» وأن «الولايات المتحدة لم تعد موثوقة».
وقال عبد الخالق عبد الله إنه «لا بد أنه كانت هناك أسباب قوية لكي تشن الإمارات هذه الضربات في ليبيا»، مشيراً إلى أن ضربات من هذا النوع ليست ممكنة، من دون تعاون مع مصر و«على الأرجح مع السعودية» أيضاً. وأشار عبد الله إلى قلق مصر الكبير إزاء إمكانية تحويل مصر «إلى معقل للجهاديين».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)