يتبلور على نحو أوضح تحالف دولي ضدّ «داعش» في سوريا والعراق. ما كان في الكواليس والغرف المغلقة أصبح يخرج إلى العلن. واشنطن أصبحت أولويتها قتال «داعش»، بينما موسكو تدعوها إلى التنسيق مع الدولة السورية. لم يعد من الممكن تحييد دمشق عن هذا التحالف. لا تحرك دون موافقة الحكومة السورية وبالتنسيق معها قال وزير الخارجية وليد المعلم. بعد ساعات دعا نظيره الروسي سيرغي لافروف الغرب إلى التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد للتصدي لتنظيم «الدولة الإسلامية».
في واشنطن، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما لم يتخذ قراراً نهائياً بعد بشأن شنّ غارات داخل الأراضي السورية، بينما أعلن رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية، مارتن ديمبسي، «أنهم سيتخذون إجراءات ضد داعش في سوريا إذا أصبح يشكل تهديداً مباشراً».
دمشق، أكّدت إذاً أمس، وجودها في قلب المعركة ضد «داعش». تحدث المعلم من موقع الشريك لأنّ «من الطبيعي جغرافياً وعملياً وعملياتياً أن سوريا هي مركز هذا الائتلاف الدولي... لا بد أن يأتوا إلى سوريا للتنسيق معها من أجل مكافحة «داعش» و«النصرة» إذا كانوا جادين».

لافروف: واشنطن
ارتكبت مع «داعش» الخطأ نفسه الذي ارتكبته مع القاعدة في أفغانستان


وأعلن نائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة تسيير الأعمال أنّ هذا التعاون والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب يأتي تنفيذاً للقرار2170 الصادر عن مجلس الأمن الذي لا يعطي تفويضاً لأحد بالعمل منفرداً ضد أي دولة. وشدّد، في مؤتمر صحافي، على أنّ التعاون يجب أن يكون من خلال الحكومة السورية، مبيناً جاهزية الحكومة السورية للتعاون الإقليمي والدولي إما من خلال ائتلاف دولي أو إقليمي أو من خلال تعاون ثنائي مع من يرغب، شرط أن يكون مخلصاً وجاداً، وأن يتخلى عن ازدواجية مواقفه.
وبخلاف الغرب وأدبياته شمل المعلم «جبهة النصرة» عند ذكر إرهاب «داعش»، مؤكداً أولوية «تجفيف منابع الإرهاب والتزام دول الجوار ضبط حدودها وتبادل المعلومات الأمنية مع الحكومة السورية ووقف التمويل والتسليح».
وقال، في هذا الإطار، «بالأمس تم الإفراج عن الصحافي الأميركي المختطف من قبل جبهة النصرة ونحن نرحب بالإفراج عنه، لكن صدر بيان عن وزارة الخارجية القطرية يقول إن الجهود القطرية أدت إلى الإفراج عنه. إذاً هذه الجهود أليست مرتبطة بتنظيم جبهة النصرة الإرهابي؟»، لافتاً أيضاً إلى تصريح أحد الوزراء الألمان قبل ذلك بأن لديهم معلومات عن تمويل قطر لتنظيم «النصرة».


التنسيق لم يبدأ

وأشار إلى أن بلاده لم تلمس حتى الآن التزاماً من دول الجوار بتنفيذ هذا القرار «ربما لأنهم لم يشعروا بعد أنّ خطر «داعش» و«جبهة النصرة» لن يقتصر على سوريا والعراق، بل سيمتد إلى الدول الإقليمية وما بعدها». وأكد أنّ الأيام القليلة القادمة ستحكم على مدى جدية الدول الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب وتنفيذ قرار مجلس الأمن.
وعن التنسيق بين سوريا والغرب وحدوده، أجاب المعلم بأن هذا التنسيق لم يبدأ... «ولو كان المجتمع الدولي والدول الأعضاء في مجلس الأمن التزموا قرارات المجلس السابقة في مجال مكافحة الإرهاب لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم»، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن حدود التعاون تتوقف على أطراف الائتلاف الدولي و«ستتم مناقشة ذلك في ضوء مصالحنا الوطنية».
وعن وجود معلومات تقول إنه جرى تنسيق سري بين سوريا والولايات المتحدة وبريطانيا في عمليات عسكرية سرية تمت على الأراضي السورية أجاب المعلم: «إن كل ما يقال هو معلومات صحافية... ومع ذلك نحن جاهزون للتعاون والتنسيق مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي في مجال مكافحة الإرهاب».
وعن صدور فتاوى سعودية جديدة، وهل يشكل ذلك بداية تحول في الموقف السعودي، قال المعلم: «إذا كانت السعودية ترى في هذه المواقف دفاعاً عن مصالحها، فنحن لا يوجد تعارض بين مصالحنا ومصالحها، وأي عمل يخفف من تأثير الفكر الوهابي في الخارج أو الداخل وأي عمل يحاسب من يقاتل في سوريا مع التنظيمات الإرهابية هو عمل جيد، لكن لا يكفي إطلاقاً».
وعن إمكانية أن تأخذ التحولات الجارية في تركيا إلى موقع أفضل في علاقاتها الإقليمية، أشار المعلم إلى أنّ علاقات تركيا مع دول الجوار «تدهورت إلى الحضيض»، مؤكداً وجوب أن تتغير السياسة التركية تجاه الأحداث في المنطقة، وذلك من أجل مصلحة الشعب التركي ودفاعاً عن الأمن التركي «فالتنظيمات الإرهابية لا حدود لها ولا وطن ولا دين وحدود تركيا نحو 850 كيلومتراً مع سوريا ولا أعرف كم مع العراق وهذه التنظيمات على حدود تركيا لذا من مصلحة تركيا القومية والشعب التركي أن تعيد النظر في مواقفها».


اعملوا مع الأسد

بدوره، حثّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، الحكومات الغربية والعربية على تجاوز ضغائنها إزاء الرئيس السوري والعمل معه للتصدي لمقاتلي «الدولة الإسلامية».
وقال لافروف إنّ «الولايات المتحدة ارتكبت مع الدولة الإسلامية الخطأ نفسه الذي ارتكبته مع القاعدة التي ظهرت في الثمانينيات حين كان مقاتلون إسلاميون تدعمهم الولايات المتحدة يقاتلون» لإنهاء الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. وأضاف: «أعتقد أن ساسة الغرب يدركون بالفعل خطر الإرهاب المتنامي السريع الانتشار». ورأى أنّه «سيتعيّن عليهم قريباً أن يختاروا أيهما أهم: تغيير النظام (السوري) لإرضاء ضغائن شخصية مجازفين بتدهور الوضع وخروجه عن أي سيطرة أو إيجاد سبل عملية لتوحيد الجهود في مواجهة الخطر المشترك».
وقال لافروف: «في البداية رحب الأميركيون وبعض الأوروبيين (بالدولة الإسلامية) على أساس أنها تقاتل بشار الأسد. رحبوا بها كما رحبوا بالمجاهدين الذين أنشأوا لاحقاً القاعدة ثم ارتدت ضرباتها إليهم في 11 سبتمبر 2001». وتابع: «نفس الشيء يحدث الآن»، مضيفاً أن الولايات المتحدة لم تبدأ في قتال الجماعة إلا بعد أن بدأ المتشددون يجتاحون العراق ويقتربون من بغداد.
وأيد لافروف موقف نظيره السوري، قائلاً إنه إذا كانت هناك خطط «لقتال الدولة الإسلامية على أراضي سوريا ودول أخرى فلا بد وأن يكون ذلك بالتنسيق مع السلطات الشرعية» هناك. وأوضح أن بلاده تشعر الآن بأن ساحتها برئت. وقال: «في وقت ما صوبت إلينا الاتهامات بدعم بشار الأسد ومنع إطاحته... أما الآن فما من أحد يتحدث عن هذا». ولفت إلى أنّ الأميركيين والأوروبيين بدأوا الآن يعترفون «بالحقيقة التي كانوا يقرون بها في أحاديثهم الخاصة... وهي أن الخطر الأساسي على المنطقة وعلى مصالح الغرب لا يتمثل في نظام بشار الأسد، بل في احتمال استيلاء الإرهابيين في سوريا ودول أخرى في المنطقة على السلطة».

أوباما لم يقرّر بعد

في السياق، أعلن البيت الأبيض، أمس، أن الرئيس باراك أوباما لم يتخذ قراراً نهائياً بعد بشأن شنّ غارات عسكرية على داعش داخل الأراضي السورية.
كذلك أعلن رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية، مارتن ديمبسي، «أنهم سيتخذون اجراءات ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الأراضي السورية إذا شكل تهديداً مباشراً على الولايات المتحدة الأميركية».
وفي تصريح للصحفيين في الطائرة خلال رحلته إلى أفغانستان، قال ديمبسي: «إذا قررتُ أن عناصر تنظيم داعش أصبحوا يهددون الأراضي الأميركية مباشرة، فسأوصي الجيش بالتحرك مباشرةً ضد التنظيم في سوريا». وشكك المسؤول الأميركي في قدرة «داعش» على التخطيط لشن هجمات في الولايات المتحدة وأوروبا، مؤكداً أن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً إقليمياً.
وأعرب ديمبسي عن اعتقاده بأن الدول الحليفة لواشنطن بما فيها تركيا والسعودية والأردن والدول المهمة في المنطقة، ستدعم الولايات المتحدة لإلحاق الهزيمة بـ«داعش».
من جهته، أكد المتحدث باسم ديمبسي أنّ الخيارات ضد «داعش» ما زالت قيد الدراسة، وشدد على الحاجة إلى تشكيل «تحالف من الشركاء الإقليميين والأوروبيين القادرين».
وأضاف الكولونيل إد توماس أنّ ديمبسي «يجهز مع القيادة المركزية خيارات التعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا عبر مجموعة من الأدوات العسكرية بما في ذلك الضربات الجوية... الخلاصة هي أن قواتنا في موضع جيد لإقامة شراكة مع حلفائنا الإقليميين ضد الدولة الإسلامية».
(الأخبار)