سيناء | يوم وصلت قوات الجيش المصري معززة بالدبابات وبالمدرعات وبمختلف الآليات القتالية، قال جنرال كبير في تصريحات للصحافيين: «لن نمكث كثيراً هنا، لقد جئنا لمهمة محددة وعاجلة، وهي اقتلاع جذور الإرهاب من سيناء، وهذه مهمة ستنجز في غضون ثلاثة أشهر لا أكثر». كان الجنرال يتحدث بصوت جهوري مفعم بالثقة، لكن تصريحاته ذهبت مع الريح بعد مرور عام وشهرين دون إنهاء «المهمة المقدسة»، حيث ما زالت الحملات العسكرية مستمرة، وما زال الإرهاب أيضاً يمارس عملياته في كافة أنحاء مناطق شرق العريش شمالي سيناء.

وكانت الجماعات الجهادية قد انتشرت في مختلف مناطق شرق العريش، وخصوصاً في منطقتي الشيخ ورفح المتاخمة للحدود المصرية مع جنوب قطاع غزة إلى جهة الشمال الشرقي، والحدود المصرية مع فلسطين المحتلة في منطقة وسط سيناء باتجاه طابا ونويبع جنوبي سيناء. وتؤكد مصادر خاصة لـ«الأخبار» أن «سيناء تضم قوى جهادية مسلحة عدة، ومنها جماعة أنصار بيت المقدس... التي كانت تتخذ من سيناء ميداناً لإطلاق صواريخها على مستوطنات الجنوب الإسرائيلي، ومنها أيضاً جماعة التوحيد والجهاد التي بنيت على أنقاض جماعة جلجلت، التي فرت من قطاع غزة بعدما قضت حماس على زعيمها عبد اللطيف موسى في رفح الفلسطينية».
في المقابل، هناك وجود قوى أخرى ضمن «السلفية الجهادية» التي سبق أن دعت إلى التخلي عن القضاء المدني بعد «ثورة 25 يناير» وأقامت محاكم شرعية في مدن الشيخ زويد والعريش، وأقصت دور القضاء بصورة ملحوظة، الأمر الذي أسهم في اعتقال اثنين من أهم قادتها عقب أحداث «30 يونيو» الماضية، هما الشيخ حمدين أبو فيصل، رئيس «المحكمة الشرعية في الشيخ زويد»، والشيخ أسعد البيك، رئيس «المحكمة الشرعية في العريش».
ونتيجة لعمليات الكر والفر التي يتعرض لها الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء من قبل تلك القوى التي تمثل تحدياً قائماً على الأرض بالنسبة إلى الجيش، جاءت الفكرة التي رمت بها السلطات المصرية في ملعب قبائل سيناء بطريقة غير مباشرة، عبر «عملائها» المنتشرين وسط القبائل، بدعوى عودة النفوذ لأبناء قبائل سيناء عبر تكوين ميليشيات لملاحقة وقتال العناصر والجماعات الجهادية التي تنعتهم السلطات بـ«الإرهابيين» وبـ«التكفيريين».
ولم تخل الرسالة الأمنية من ترغيب لأبناء القبائل بالسماح لهم باستخدام السلاح المرخص وغير المرخص، الأمر الذي أوقع خلافاً كبيراً بين أبناء القبائل، وأصبح الانقسام واضحاً ما بين مؤيد ومعارض، خصوصاً في أوساط قبيلة «السواركة»، وهي إحدى أكبر القبائل السيناوية التي تقيم في المنطقة الحدودية في شمال شرق العريش، في مدن الشيخ زويد ورفح، في وقت انتشرت فيه فكرة تكوين ميليشيات من أبناء القبائل في سيناء بسرعة.
يقول لـ«الأخبار» عبد الحميد سليم، وهو أحد الرموز القبلية، إن «تشكيل ميليشيات قبائلية في سيناء لملاحقة التكفيريين يصعب تنفيذه على أرض الواقع»، وخصوصاً أن اللافت للنظر أن من قُتلوا من الرموز والقيادات البدوية على أيدي «مجهولين» التزم ذووهم الصمت، وهو صمت يفسر أنهم عرفوا القاتل ويريدون أن يقتصوا منه بنحو فردي، أو أنهم يجهلون الفاعل ولا يستطيعون الوصول إليه ولا يريدون الدخول في مسلسل ثأري قبل أن يحددوا شخصية غريمهم. لكنه يؤكد أن «الثأر قادم لا محالة، وكل من تلطخت يده بدم شخص لا بد أن ينتقم منه ذووه عاجلاً أو آجلاً».
وبرغم تشديد القبضة الأمنية على مناطق شرق العريش، التي تنتشر ضمنها الجماعات الجهادية وتدور بها رحى العمليات العسكرية، من جهة تشديد الإجراءات الأمنية على الحواجز الأمنية المنتشرة على طول الطريق الدولي الممتد من رفح شمالاً وصولاً إلى جهة الغرب حيث تبدأ حدود محافظة الإسماعيلية على الضفة الشرقية لقناة السويس، إلا أنها لم تتغلب على تسلل العناصر الجهادية من سيناء إلى غرب قناة السويس للتزود بالسلاح أحياناً ولتنفيذ عمليات أخرى في المقارّ الأمنية في الإسماعيلية وفي جنوب سيناء والشرقية. في غضون ذلك، يقول لـ«الأخبار» الشيخ إبراهيم عليان، وهو أحد مشايخ قبيلة السواركة في شمال سيناء، إن «الدولة تتحمل مسؤولية عودة هيبتها إلى سيناء، فهي تحارب جهات معلومة لا دخل لنا بها ولن نفتح جبهات معها أياً كانت الأسباب». ويرى أن «الأمر الخطير جداً أن يُزجّ باسم قبيلتي السواركة في عمليات تشكيل ميليشيات مسلحة في سيناء، بهدف تقسيم القبيلة ما بين مؤيد ومعارض، وخصوصاً أن هناك من أبنائها من لهم مصالح مع الأجهزة الأمنية ويريدون مجاملتها على حساب البقية الآخرين ممن يعارضون هذا الأمر برمته».
ويتابع المصدر القبلي قائلاً إنه «بالرغم من كوني شيخاً حكومياً، إلا أنني أرفض تماماً هذه الفكرة التي تدعوا إلى الانقسام وتفتيت النسيج الاجتماعي للقبائل السيناوية، وخصوصاً أن أمر ملاحقة كافة العناصر التكفيرية والخطرة متروك للجهات الأمنية وحدها دون محاولة الزج بالقبائل لتحارب بدلاً من الدولة».
رمت السلطات المصرية بالفكرة بدعوى إعادة النفوذ لأبناء القبائل

أبناء قبائل سيناء هم الأكثر قدرة على محاربة العناصر الإرهابية

ويتعاظم دور الجماعات الجهادية على اختلاف قواها في شبه جزيرة سيناء يوماً بعد يوم، وخلال عام من بداية الحملات العسكرية، لم تستطع كافة التشكيلات العسكرية، بما تحمل من عتاد وسلاح وقوات وطائرات، من الإجهاز على تلك القوى، الأمر الذي ينذر بتمدد هذه القوى باتجاه الغرب، وصولاً إلى محافظة الوادي.
ويبدو أن قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد الشحات قد استدرك بحسه العسكري خطورة الأمر، وإمكانية التمدد الخطر باتجاه القناة ليعبر إلى جهة الغرب، فأمر بإنشاء سور بطول الجهة الشرقية لقناة السويس باتجاه سيناء، بدعوى حماية الملاحة في قناة السويس وخشية استهدافها من قبل الجماعات الجهادية، وتزامن ذلك مع إنشاء نقاط تفتيش أمنية مشددة على معديات الأفراد بين ضفتي القناة لكشف المعلومات عن العابرين ممن تشتبه فيهم قوات الأمن المتمركزة على المعديات الخاصة بعبور الركاب بين الضفتين الشرقية والغربية لقناة السويس.
بدورهم، يقحم الخبراء الأمنيون أنفسهم في هذا الأمر، ويجمعون على أهمية تشكيل ميليشيات مسلحة من أبناء القبائل للقضاء على الجماعات الجهادية والتكفيرية. يقول الخبير الأمني سيف اليزل إن «أبناء قبائل سيناء هم الأكثر قدرة على محاربة العناصر الإرهابية في سيناء، لأنهم أكثر دراية بهم، ولديهم خبرة بالمناطق وبالطرق الوعرة في سيناء».
بدوره، يقول لـ«الأخبار» الشيخ محمد الزملوط، وهو أحد مشايخ القبائل، إن «أمر الميليشيات مرفوض جملة وتفصيلاً، ولم نسمح بوجوده أبداً على أرض الواقع»، معتبراً أنه «بوابة لإشعال الفتن والحرب الأهلية بين أبناء القبائل». ويشير إلى أن «الدولة منذ ثورة 30 يونيو ومع انتشارها في كل مناطق سيناء وإعادة سيطرتها الأمنية، تمكنت من نزع السلاح من كافة الأهالي، ومن بقي منهم بحوزته سلاح تخلص منه ببيعه أو تسليمه لقوات الأمن خشية ضبطه ووضعه في محل تهمة حمل السلاح».
ويرى مصدر أمني، في حديثه لـ«الأخبار»، أن «فكرة الميليشيات المسلحة مهمة جداً في سيناء، وسبق العمل بها في صعيد مصر إبان فترة التسعينيات عندما ضرب الإرهاب محافظات الصعيد، وقامت ميليشيات من عائلات الصعيد بالمساهمة في الإجهاز على الكثير من الجماعات الإرهابية هناك». ويضيف أن «القبائل في سيناء، تعلم كل ما يدور في أراضيها ومن حولها، وتستطيع أن تجهز على الجماعات الجهادية والتكفيرية لو جرى تسليحها أو على الأقل السماح لها باستخدام السلاح الموجود بحوزتها، وأرى أن هناك ضوءاً أخضر لذلك».





انتشار السلاح في شبه الجزيرة
برغم خطورة فكرة العودة إلى القبائل بهدف محاربة انتشار الجماعات «الجاهدية»، إلا أن طرحها يأتي في ظل فترة وجود كثيف للسلاح لدى القبائل السيناوية، بصفته ثقافة بدوية قديمة الأزل، حيث لا يخلو بيت في سيناء من السلاح فيه، وهو بقسم كبير منه مرخصة حيازته، وقد ازداد انتشار السلاح بعد «ثورة 25 يناير».
وكثرت أنواع السلاح، ومنها الأسلحة الخفيفة مثل «الكلاشنيكوف» والثقيلة، ومن بينها الـ«250 و500 مم» إلى جانب مدفع «الغرينوف»، وصولاً إلى القذائف الصاروخية من طراز «أر بي جيه» وصواريخ «غراد».
وتعددت مصادر الأسلحة، بحيث تأتي من السودان وليبيا ومن جانب الأراضي المحتلة أيضاً، حيث انتشرت في سيناء أسلحة «العوزي» الإسرائيلية التي تدخل سيناء عبر الحدود البرية والبحرية.