في اللحظة التي ظهر فيها للمرة الأولى «الخليفة» أبو بكر البغدادي، في أحد مساجد الموصل في أقصى شمال العالم العربي، كان مقاتلو «أنصار الله» (الحوثيون) يطلقون أولى الرصاصات في أقصى جنوبه، وتحديداً في محافظة عمران المشرفة على العاصمة صنعاء ومطارها.
لم يكن أحدٌ في اليمن، وفي مراكز الاستخبارات الأمنية العربية والغربية في الدول الخليجية المجاورة، يتوقّع أن يُهزم التحالف الثلاثي في عمران، حزب «التجمع اليمني للإصلاح» المدعوم من «الإخوان المسلمين» ومعهم مقاتلون من تنظيم «القاعدة»، وجيش اللواء علي محسن الأحمر، واللواء 310 بقيادة العميد حميد القشيبي، خلال أقل من أربعة أيام في معركة ضد مقاتلي «أنصار الله».

دخول «أنصار الله»
إلى صنعاء سيعني تقسيم اليمن مجدداً إلى جمهوريتين
وعلى الرغم من نفي الحوثيين دخول حسابات إقليمية في السيطرة على عمران، وتأكيدهم أن العملية كانت فقط لـ«حماية الظهر» عبر المحافظة القريبة جداً من العاصمة، تُدخل مستجدات «الكباش» اليمن بقوّة في المعادلات الإقليمية، بصرف النظر عن «النيّات» الحقيقية.

الرياض مُربَكة

منذ سيطرة «أنصار الله» على عمران، وصولاً إلى الحراك الحوثي الجاري في صنعاء، لم تخفِ الرياض عبر قنواتها الدبلوماسية ووسائل إعلامها، سخطها وإرباكها في التعاطي مع الأحداث في اليمن. وفيما صدرت مواقف عالية النبرة من بعض المسؤولين السعوديين تطالب «أنصار الله» بالانسحاب الفوري من عمران والعودة إلى صعدة، وتحذّر من محاولة «اجتياح» صنعاء، لم تستطع الرياض أن تعوّل «فعلياً» على قوة الجيش اليمني الحالي للدخول في حرب سابعة مع الحوثيين. ذلك بالإضافة إلى أن مشهد التحالفات القبلية في اليمن تغيّر عمّا كان عليه سابقاً، وخصوصاً بعد تعنّت آل الأحمر وتغلغلهم في المؤسسات الأمنية والسياسية في الدولة. انكفأت الرياض إلى غرف التشاور، محاوِلةً إنشاء تحالف يمني جديد يواجه الحوثيين، ولو تكتيكياً، في الوقت الراهن، وخصوصاً أن أداء «أنصار الله» في عمران من تسليم مباني المراكز الحكومية سريعاً إلى الحكومة، وإعلان نفي نيتهم التحرك باتجاه صنعاء أمنياً وعسكرياً، وحتى مناشدة الرئيس عبد ربه منصور هادي العمل على التصدّي لكل محاولات إشعال اليمن في حروب جديدة، مثّل حافزاً للرياض لدراسة خطط مجابهة المراحل الآتية، لكون اليمن بالنسبة إليها صمام حياة وليس ميدان استثمار، ما يشبه وضع العراق بالنسبة إلى إيران.

هل يريدون السيطرة على صنعاء؟

يؤكد الكاتب السياسي اليمني معاذ التميمي لـ«الأخبار» أن الحوثيين بتحالفاتهم مع قبائل بني مطر وبني حشيش وغيرهم، استطاعوا أن يكسروا شوكة أكبر القبائل التي كانت الدولة، في عزّ قوتها، لا تجرؤ على مواجهتها، مثل قبائل: وائلة، العصيمات، حاشد، وغيرها، مضيفاً إن الحوثيين، بعد ما جرى في عمران «يستطيعون السيطرة على صنعاء خلال أيام». ويقول التميمي إنه قبل بدء التظاهرات الأخيرة للحوثيين في صنعاء، كان هؤلاء في العاصمة، ينتظرون فقط ساعة الصفر من السيد عبد الملك الحوثي».
وبحسب التميمي، فإن دخول العاصمة، مع ما يعنيه ذلك من انهيار مؤسسات الدولة نهائياً، سيعني انهيار «الطرف الشمالي» في اتفاقية الوحدة اليمنية، وبالتالي تقسيم اليمن مجدداً إلى جمهوريتين، وهذا ما لا تسعى إليه حركة «أنصار الله».
أحداث داخلية وتداعياتها إقليمية
قد يكون من أصعب المهمات أن تستدرج مسؤولاً في «أنصار الله» إلى الكلام. الحركة التي خبرت الصراع العسكري والسياسي المستمر منذ أكثر من عقدين، ترى أن اللسان هو أضعف وسيلة للتعبير، إذ إن الصراخ لن يمنع من تكرار خرق اتفاق التهدئة واستهداف مقارّ الحوثيين.
كذلك فإن دحض الاتهامات باحتلال عمران لم يحتج إلى أكثر من تسليم زمام الأمور للحكومة.
ولمجابهة التهويل والتحذير من مغبة دخول الحوثيين إلى صنعاء، يكفي الحركة تنظيم تظاهرة من عشرات الآلاف يحملون لافتات «الصرخة» الحوثية الشهيرة، وتجوب شوارع صنعاء تضامناً مع غزة تارةً، واحتجاجاً على قرار الحكومة رفع الدعم عن المشتقات النفطية طوراً.
وإن اللبيب من الإشارة يفهم. من ينظر إلى المستجدات اليمنية انطلاقاً من الخريطة الإقليمية ير أن اليمن، بحسب وصف مصدر في «أنصار الله»، هو مركز اتكاء العالم العربي، وأن أي تغييرات هناك من البديهي أن تحدث تغييراً في استقرار حركة العالم العربي كلّه، من الموصل شمالاً إلى عدن جنوباً.
بعد انتهاء معركة عمران، خرجت إلى العلن حقيقة واحدة: لليمن خصوصية تفوق واقع البلاد العربية الأخرى. أوضح مثال على ذلك، أن تحرك الحوثيين في عمران، مثّل مثقالاً إقليمياً عدّل التواء كفتَي ميزان المنطقة، وقلّص «طموحات» بعض دوائر القرار العربية. ولا شك أن أي حراك للحوثيين بإمكانه أن يؤمن القابلية الضرورية لأي مائدة حوار مستقبلية في المنطقة.