ارتباك كبير أصاب الساحة الإعلامية أمس قبل ساعة من موعد انتهاء الهدنة الثالثة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية مصرية، إذ سربت قنوات فضائية عربية نقلاً عن مصادر فلسطينية ما قالت إنها بنود اتفاق شامل جرى التوصل إليه في القاهرة ووقعه الوفد الفلسطيني بالإجماع، وما لبثت أن انتهت الساعة حتى أكدت الأطراف المفاوضة أنه جرى الاتفاق على تمديد التهدئة 24 ساعة من أجل استكمال الصيغة النهائية للمفاوضات.
وخرج في وقت مبكر من اليوم رئيس الوفد الفلسطيني، عزام الأحمد، لينفي كل ما ذكر في الإعلام، وقال في مؤتمر صحافي قصير إنه لم يحدث أي تقدم في أي نقطة في مفاوضات القاهرة على عكس كل ما نشر، مضيفاً أن إسرائيل لا تزال تضع العراقيل أمام الوصول إلى اتفاق «واليوم إما أن نتفق أو لا نتفق». هو الأمر نفسه الذي أكده عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، موسى أبو مرزوق، بالقول: «نحن أمام مشاهد قد تربك الشارع الفلسطيني، لأننا لم نتوصل إلى اتفاق حتى اللحظة، وكل ما نشر غير صحيح»، موضحاً أن تمديد التهدئة 24 ساعة اقترحها الوسيط المصري.
تشرح مصادر لـ«الأخبار» أنه كان يستحيل إقرار الاتفاق لأن الوفد الإسرائيلي ليس مخولاً توقيع أي ورقة إلا بموافقة من المجلس الوزاري المصغر، وهو ما كان غير ممكن أمس، إذ عاد الوفد قبل ساعات من انتهاء الهدنة الثالثة، وعُلم أنه لم يجر أي اجتماع لـ«الكابينيت» أمس.

«يديعوت»: اتفاق أميركي ـ إسرائيلي
سري لرفع الحصار وزيارة قريبة لكيري


وكانت البنود التي نشرت تتحدث عن فتح المعابر ورفع الحصار كلياً عن قطاع غزة مع دخول مواد البناء تحت رقابة دولية، وأيضاً إعادة إعمار القطاع تحت إشراف الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمدالله. والبند الثالث أشار إلى حل مشكلة الكهرباء كلياً في مدة أقصاها عام، وفي الرابع أن مساحة الصيد تتسع من ستة أميال بحرية إلى تسعة ثم 12 في مدة أقصاها ستة أشهر.
كذلك، أكد البند الخامس رفع الحصار المالي عن غزة، والسادس إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب الأخيرة. لكن البند السابع إن صح، فهو يعني انتصاراً فعلياً للمقاومة في حال موافقة إسرائيل عليه، ويشمل موافقة مبدئية على ميناء غزة، مع تأجيل البحث الفعلي للشؤون الإدارية والفنية فيه لمدة شهر من تاريخ التوقيع، وأخيراً يؤجل التباحث في قضية الأسرى إلى شهر أيضاً.
وما يمكن تلمسه في هذا الارتباك الإعلامي، ثم إعلان تمديد الهدنة لمدة قصيرة لا تتجاوز اليوم الواحد، أن هناك توجهاً فعلياً إلى توقيع اتفاق، وما يعزز هذا القول إعلان النرويج، أمس، أن الجهات الدولية المانحة لفلسطين ستعقد مؤتمراً في القاهرة لتمويل عملية إعادة إعمار غزة فور التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، كما تأتي زيارة رئيس السلطة محمود عباس إلى الدوحة أولاً ثم القاهرة (يوم الجمعة المقبل) في الإطار نفسه، فما كان لعباس أن يتحرك إلى موعد مقرر بعد انتهاء هذه الهدنة إلا ضمن إطار التوصل إلى صيغ نهائية.
أيضاً، عملت القاهرة أمس على تجنب التمديد لأيام أخرى لأنها أعلنت صراحة أنها تسعى إلى وقف دائم للحرب ضمن آلية ترحيل النقاط الخلافية للحوار لاحقاً، وخاصة أنها مطمئنة إلى أن تفاصيل الاتفاق ستطبق تحت إطار السلطة في رام الله، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية النرويجي، بورغي بريندي، حينما قال إن الأموال التي ستجمع برعاية بلاده ومصر ستوضع تحت تصرف عباس.
بالتزامن مع إعلان تمديد وقف النار (علي حيدر)، حرص رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، على إجراء مشاورات في مبنى وزارة الجيش في تل أبيب، وتناولت تفاصيل اتفاق تهدئة تبلور مع الفلسطينيين. شارك في المشاورات كل من وزير الجيش، موشيه يعلون، ورئيس الأركان، بني غانتس، ورئيس الشاباك، يورام كوهين. وتأتي خطوة المشاورات التي أقدم عليها نتنياهو والإعلان عنها، بطريقة تعزز الانطباع الذي يسعى إليه في تأكيد أن مواقفه في هذا المجال تتلاءم مع حاجات إسرائيل الأمنية، وخاصة أنه تشاور فيها مع الأجهزة المهنية المعنية: الجيش و«الشاباك». أيضاً من الواضح أن هذه الخطوة إلى جانب كونها المسار الطبيعي لاتخاذ الموقف عندما يتعلق بقضايا ذات طابع أمني، ستعزز موقف نتنياهو في مواجهة أي معارضة داخلية تحاول المزايدة عليه خاصة من معسكر اليمين المتطرف. مع الإشارة إلى أن آراء «الشاباك» تحديداً وتوصياته لها تأثير معتبر في الساحة السياسية والشعبية داخل إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالصراع مع الفصائل الفلسطينية.
وعن ذلك، أوضح مصدر أمني لموقع «واللا» العبري، أن خطوة المشاورات كانت عن تفاصيل الاتفاق نفسها، وليس حول قرارات التبني النهائي لاتفاق بين الأطراف. وسبق للمجلس الوزاري المصغر أن فوض إلى رئيس الحكومة اتخاذ قرار عندما يتعلق الأمر بتمديد وقف النار. أما في حال التوصل إلى اتفاق تهدئة طويلة الأمد، فسيكون هناك حاجة إلى عقد جلسة للمجلس الوزاري المصغر من أجل المصادقة على تفاصيل الاتفاق.
بالتوازي مع ذلك، نقل موقع «يديعوت أحرونوت» عن مصادر إسرائيلية قولها إن تل أبيب نسقت واتفقت مع الولايات المتحدة على تفاصيل التسوية المستقبلية مع «حماس» وغزة. وأضافت المصادر أنّ من المتوقع أن يصل وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى إسرائيل الأسبوع المقبل من أجل تعزيز وضعها ورئيس الحكومة، وتوجيه رسالة مفادها أن العلاقات بين الدولتين لا تمر بأزمة.
المصادر نفسها أوضحت أيضاً أن البلدين اتفقا سراً على أن ترفع تل أبيب الحصار تدريجياً عن غزة، وأن يجري البدء بالمعابر البرية، «وبعد ذلك الانتقال إلى البحر». ولم تعارض إسرائيل، وفق الموقع، دفع رواتب رجال «حماس» في غزة، وستوافق أيضاً على ترميم القطاع عبر مساعدة دولية. ولجهة تجريد القطاع من الأسلحة، وهو مطلب الاحتلال خلال العدوان العسكري، فهو لن يكون، على ما يبدو، جزءاً من الاتفاق الذي تجري بلورته في القاهرة، لكن واشنطن ستدعم المطلب الإسرائيلي بالعمل من أجل منع تسليح حماس والمنظمات «الإرهابية»، كذلك ستعمل إسرائيل في الساحة الدولية من أجل دفع القضية قدماً.
وذكر موقع «يديعوت» أنه رغم غياب أي مصادقة أميركية رسمية على هذه المعلومات، فإن المصادر الاسرائيلية أكدت أن كيري ونتنياهو سيعلنان بصورة مشتركة أن العلاقات بين الدولتين قوية ومتينة، وأن الخلافات بينهما موضعية فقط. وسيجري تأكيد دعم الولايات المتحدة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ومنع إطلاق الصواريخ من غزة. ومن اللافت أن مصدراً سياسياً ذكر للموقع أن أميركا وافقت على أداء دور في المؤتمر الدولي الذي سيناقش ترميم غزة وقضية تقديم المنح، ولفتت مصادر أخرى إلى أن اتصالات مكثفة في إسرائيل وأوروبا ستجري في الأيام المقبلة من أجل عقد المؤتمر.